السيد يلقي محاضرته بجمعية متخرجي المقاصد الإسلامية في بيروت
صفاء قره محمد ـ بيروت 2014/06/20 - 03:00:00
قال الدكتور رضوان السيد: إن "الموقع الاستراتيجي العربي مضروب ضربات قوية، كما أن الجمهور يشعر بإحباطات شديدة"، وشدد على أنه "لا حاجة لدى الناس للركض وراء الدولة المستحيلة اذا كانت دولة الحكم الصالح ممكنة".
وأضاف -في محاضرة ألقاها في جمعية متخرجي المقاصد الاسلامية في بيروت بعنوان "الانتماء العربي والاسلام السياسي"، الخميس الماضي، في حضور ممثل عن الرئيس سعد الحريري محمد السماك، نقيب الصحافة محمد البعلبكي، عدنان فاكهاني ممثل الامين العام لتيار المستقبل احمد الحريري، رئيس جامعة المقاصد هشام نشابة ورئيس جمعية متخرجي المقاصد محمد مازن شربجي وأعضاء مجلس أمناء المقاصد ولفيف من المثقفين والمتخرجين-: "عندما نتحدث هنا عن انكسار العروبة السياسية، وعن خفوت الانتماء العربي فنحن نتحدث عن امرين مختلفين، فالعروبة السياسية تتعلق بالدول والاتحادات والتجمعات والتكتلات السياسية والاقتصادية والموقع في المجالات الاقليمية والدولية، اما عندما نتحدث عن الانتماء فنحن نتحدث بالتحديد عن الجمهور العربي وأحاسيسه وتطلعاته، وفي الواقع العرب يعانون اليوم من الأمرين وكلتا الظاهرتين متفاقمتان".
واستهل اللقاء بكلمة لرئيس اللجنة الثقافية القاضي خضر زنهور، رحب فيها بالمحاضر وبالحضور ثم سلط الضوء على مسيرة السيد العلمية وإسهاماته الفكرية وما تميز به من ثقافة واسعة وإلمام بثقافة لغته وثقافات الأمم الأخرى.
سلطات عربيةوتحدث الدكتور السيد عن العقدين الاولين من القرن العشرين حين بدأت فكرة الدولة العربية بالظهور بصيغ مختلفة، الى ان قامت الثورة العربية عام 1916 على العثمانيين بمعرفة بريطانية، وكانت الفكرة إقامة دولة عربية أو دول في العراق والشام وهي الأقطار التي كانت خاضعة للدولة العثمانية، ولكي نكون دقيقين فإن الفكرة كانت إقامة سلطات عربية، دونما تفكير كثير بالمسألة القومية باستثناء الحساسية التي كانت قد تصاعدت ضد الاتراك، قائلاً: "إلى حين قيام الجامعة العربية، كان هناك وعي عربي وكانت هناك لدى النخب ولدى الجمهور جوانب سياسية لذاك الانتماء، لكن العروبة السياسية الحقيقية ما تبلورت إلا بعد ظهور الكيان الصهيوني على أرض فلسطين، وقيام الوحدة بين مصر وسورية.
في فلسطين صار هناك جرح عميق في الانتماء دفع باتجاهات متعددة، وفي الوحدة المصرية ـ السورية صارت العروبة تيارا سياسيا غلابا، وفكرة استراتيجية للعرب في القرن العشرين، وعلى وقع هذين الحدثين الكبيرين دارت وقائع التاريخ والمستقبل العربي في النصف الثاني من القرن العشرين، فالوحدة لم تستمر ومشاريع الوحدة الاخرى لم تقم، وفلسطين ما تحقق في شأنها نجاح يذكر، فهل يكون هذا الفشل في الأمرين هو السبب في الانكسار الذي تعانيه فكرة الانتماء العربي منذ عدة عقود".
وأضاف: "عندما نتحدث هنا عن انكسار العروبة السياسية، وعن خفوت الانتماء العربي فنحن نتحدث عن امرين مختلفين، فالعروبة السياسية تتعلق بالدول والاتحادات والتجمعات والتكتلات السياسية والاقتصادية والموقع في المجالات الاقليمية والدولية، أما عندما نتحدث عن الانتماء فنحن نتحدث بالتحديد عن الجمهور العربي وأحاسيسه وتطلعاته وفي الواقع فالعرب يعانون اليوم من الامرين وكلتا الظاهرتين متفاقمتان"، موضحاً أن "الموقع الاستراتجي العربي مضروب ضربات قوية، كما ان الجمهور يشعر بإحباطات شديدة، وما عادت لديه تطلعات كبيرة، وإن كنت أزعم أن الانتماء العربي لا يزال حاضرا، وإن نافسته بقوة الانتماءات الاخرى المتكاثرة، ولا يصح هنا التسرع بالقول إن معاناتنا اليوم عن تخلف هذين الامرين او عدم تحققها بل الذي أزعمه أن العامل الثاني أي نظام الحكم أو قوة الدولة واستراتيجياتها هي التي تحقق التنمية وبالتالي فهناك قضية واحدة لا قضيتان، وهذا الاستنتاج لا يحتاج الى تدليل كثير، فكل التجارب الناجمة في عالم اليوم قامت بها الدولة القوية صاحبة الرؤية والعزيمة، وهذه كانت ولا تزال مشكلتنا الكبرى في العالم العربي، وأرى أنها هي التي أدت إلى انكسار العروبة السياسية وأثرت تأثيرات هائلة في وعي الانتماء العربي لدى الجمهور".
وتابع: "فمنذ الخمسينيات والستينيات قامت في تسعة أو عشرة بلدان عربية -بعضها رئيسي- أنظمة عسكرية وأمنية ذات طبيعة ثورية، استظلت بأحد طرفي الحرب الباردة، وفشلت في كل شيء ومع ذلك فقد استمرت في السلطة حتى بعد زوال الحرب الباردة، وحلول الهيمنة الامريكية، فبعد كل شيء كانت القبضة تشتد على الجمهور وكانت الخصامات واحساسات الغلبة والعجز تتزايد ويظل الشعار المرفوع هو من فلسطين وتحريرها وإلى الوحدة، والاشتراكية، وأخيرا الصمود والتصدي ومكافحة الارهاب".
الأنظمة العسكريةوأردف: "لقد همشت الانظمة العسكرية العربية والاسلامية فئات واسعة من الجمهور، بل وناصبتها العداء فصارت والجماعات الدينية التي تسيست حزبيات احيائية خلال العقود الاربعة او الخمسة الماضية، وكلما ازداد الفشل السياسي والتنموي والقمع لدى الانظمة كلما ازدادت أعداد المنضوين في الاحزاب الدينية والسياسية، أما بشأن الدولة وإدارة الشأن العام فلا يمكن أن يكون إلا بالطرائق الحديثة القائمة على مبدأ وممارسات المواطنة التي تقتضي تساويا في الحقوق والواجبات والمشاركة والاحتكام إلى القوانين الواحدة".
وقال: "لدينا مهمة دينية أيضا وليس مهمة ثقافية فقط، المهمة الدينية هدفها صون الدين بالدرجة الاولى وليس الدولة، وصون الدين يكون في اتجاهين: اتجاه نقد تحويل المفاهيم بالزعم أن في الاسلام نظاما سياسيا ضروري التطبيق لاستعادة الشرعية في الدين والمجتمع والدولة، وهذا غير صحيح على الاطلاق وما صارت للحل الديني والدولة الاسلامية وتطبيق الشريعة شعبية بين بعض المتدينين إلا بعد الفشل الذي نال من الدولة الوطنية والقومية في بعض البلدان العربية، بلدان العسكريين والامنيين وبعض البلدان الاسلامية مثل ايران وتركيا وباكستان.
طوال تاريخنا ما كان هناك صراع بين الدين والدولة، وما حدث الصراع إلا بسبب تحديات الحداثة وفشل الدولة العربية والاسلامية الحديثة والمعاصرة في مواجهة تلك التحديات وتحديات التنمية والنهوض والتقدم، لا بد من إخراج الدين من هذا المأزق الذي أدخله فيه الاسلاميون جهاديوهم وتنظيميوهم، ولا سبيل لذلك إلا بعمليات نقد المفاهيم المستجدة، والتي تضع الدين في مواجهة الدولة القومية والوطنية".
وختم: "إن ما أثار الناس بالعراق وسوريا ومصر وتونس واليمن بسبب قلة وعي رؤسائهم، بل بسبب الطغيان وسوء إدارة الشأن العام، فلا حاجة لدى الناس للركض وراء الدولة المستحيلة إذا كانت دولة الحكم الصالح ممكنة، ولذلك فإنني أعتبر حركات التغيير في موجتها الأولى أفقا جديدا لإصلاح إدارة الشأن العام.
وقد انتكست لكن العودة للوراء غير ممكنة، فهو لم يكن لحركات التغييرين الفضائل غير إنهاء المذابح والتهجر، فإن ذلك يكون خيارا يستحق النضال من أجله ودول الحكم الصالح عندما تقوم في السنوات القادمة، هي الكفيلة بتقويم الخلل وسد الثغرات والاختراقات والتصدي للشأن الاستراتيجي العربي، ومن ضمنه الملفات مع دول الجوار، واستدراك ما فاتنا في قضية فلسطين وقضية التنمية والمستقبل العربي الآخر".