ندوة عربية تؤكد أن غياب حكم القانون وثقافته سبب انتشار الفساد في العالم العربي

رئيس وزراء الاردن السابق أحمد عبيدات مترئسا الجلسة

صفاء قره محمد ـ بيروت 2014/05/16 - 03:00:00               

أجمع المشاركون في ندوة «المنظمة العربية لمكافحة الفساد» على أن «العلة الاساس في انتشار الفساد في العالم العربي هي ضعف حكم القانون، وثقافة حكم القانون على الصعيدين الرسمي والشعبي»، مؤكدين أن «لا معنى لمعالجة ظاهرة الفساد، طالما هنالك إعاقة لفكر التطوير والتجديد». وتحدثوا عن «استشراء الفساد في معظم الدول العربية، وتقديم المصالح النفعية والشخصــية على المصلحة الوطنية». واختتمت المنظمة ندوتها السنوية تحت عنوان «دور الفساد في إعاقة التغيير والتطور في العالم العربي»، التي عقدتها يومي الجمعة والسبت الفائتين في فندق الكراون بلازا ـ الحمرا ـ بيروت، بمشاركة وفود من لبنان، مصر، الأردن، العراق، المغرب، تونس، الكويت، حيث هدفت الى تسليط الضوء على الدور الذي يلعبه الفساد في اعاقة وتعطيل النجاح في حل الأزمات وتذليل الصعوبات التي تواجهها الدول العربية.
الافتتاح
وسأل أمين عام المنظمة عامر خياط في كلمة الافتتاح عن «دور النخب في إرساء معالم التغيير والتطور في مجتمعاتنا خصوصاً في مكافحة الفساد وإقامة الحكم العادل»، معتبراً، انه «لا يجوز محاكمة الضمير ولا تعريض حرية التفكير للتفكير بما يمثله ذلك من حجر العقل وسيادته المطلقة في إحداث التغيير والتطور». وشدّد على «اننا بحاجة الى اعادة النظر بنظم ومناهج التعليم وإلى تأليب ثقافة العيش من اجل الأوطان لا ثقافة الموت فيها».

الجلسات
  ورأس الجلسة الأولى رئيس الوزراء الاردني الأسبق أحمد عبيدات، وحاضر فيها عضو مجلس أمناء المنظمة داود خير الله عن «عوامل الإعاقة في إحداث التطور، والتقدم في المجتمعات العربية»، مشيراً الى ان «غياب ثقافة حكم القانون لا بل جهل المسؤولين والنخب المثقفة بأهمية القانون كمعبر عن الارادة الشعبية وحافظ للحقوق والواجبات، هو من أهم معوقات التطور في العالم العربي»، مؤكداً ان «ترسيخ حكم القانون وتطبيق القوانين بفعالية هما اضمن الوسائل للقضاء على الفساد». وتحدث عن دور الفساد في اعاقة نمو «أهم حاجات المجتمع: الاقتصاد والأمن»،  معتبراً ان «الأنظمة القمعية هي من التحديات الواجب مواجهتها».
 
الفصل بين السلطات
  وتناول الوزير السابق ورئيس مجلس الأمناء ورئيس مجلس الادارة في المنظمة، بهيج طبارة موضوع «العوامل المفسدة في صناعة القانون والتشريعات»، لافتاً الى ان «توسيع المشاركة في الحياة السياسية يترجم في لبنان بتخفيض سن الاقتراع الى 18 سنة، وبالسماح للعسكريين ومن هم في حكمهم، بممارسة حق الانتخاب وبتسهيل عملية الاقتراع للبنانيين المقيمين خارج لبنان، والأهم من ذلك الحؤول دون تأثير المال على إرادة الناخب».
  ورأى أن «الإصلاح الأكثر إلحاحاً في النظام الانتخابي يكمن في اعتماد النظام النسبي»، مشدداً على «إعطاء رئيس الدولة دوراً أساسياً في اختيار أعضاء المجلس الدستوري على أن يتم ذلك على أساس الكفاءة والاختصاص، لا المحاصصة والانتماء الطائفي».    وأكد أن «مبدأ الفصل بين السلطات لا يعني انغلاق كل سلطة على نفسها، لأن مبدأ الفصل بين السلطات يقوم أيضاً على توازن السلطات والتعاون فيما بينها، كما ان استقلالية القضاء يجب ان تتزامن مع قرار جريء من الأجهزة القضائية ذاتها بإزالة الشوائب في الجسم القضائي وتطبيق صارم لقاعدة الثواب والعقاب».

الفساد أكبر المعوقات
  وتطرق الوزير اللبناني السابق خالد قباني الى «دور السلطة التنفيذية في دعم نزاهة تطبيق واحترام القانون»، معتبراً ان «أكثر المعوقات التي تقف في وجه التغيير المنشود في عالمنا العربي هي حالة الفساد التي تعم هذا العالم في مؤسساته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، متحدثًا عن السلطة التنفيذية واحترام القانون وعن الخلل في تطبيق القانون واثره على انتشار الفساد». ورأى أن «ما يحصل في عالمنا العربي يثبت أن الديموقراطية لم تؤمن الآليات المناسبة والفعالة، لما تتطلبه وتحتاجه مجتمعات هذه الدول من إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية، وهي لم تتعد إطار النصوص والشكليات القانونية، وإن الإصلاح المرتجى بقي غريباً عن سلوكيات مجتمعاتنا». وشدد على أنه «إذا لم تعمل القيادة السياسية على بث روح جديدة في الحياة السياسية والسعي إلى بناء إدارة ترتكز على قيم الجدارة والتميز والتجرد والمسؤولية وأخلاقيات العمل والخدمة العامة واحترام القانون وإشاعة مناخات من الثقة والتفاعل داخل الجسم الإداري ومع المواطنين، بحيث تكون الإدارة حيادية ونزيهة وشفافة، وتكون أمينة على خدمة المواطن وحريصة على المصلحة العامة وحمل المسؤولية والأمانة وأن تكون رائدة وقدوة للآخرين، فلا أمل بالصلاح ولا أمل في القضاء على الفساد».

الحموري: استقلال القضاء حصانة للدولة والمواطن
  وتحدث الوزير الأسبق محمد الحموري عن «استقلال القضاء حصانة للدولة والمواطن»، مشيراً إلى أن «استقلال القاضي في إصدار حكمه هو الذي يعطي الصفة الاستقلالية للكينونة المعنوية لمرفق القضاء وبجعلها سلطة مستقلة»، مؤكداً أن «استقلال القضاء والقضاة يشكل احدى الضمانات الرئيسة لحقوق الانسان». ورأى ان ما يسمى بالثورات التي تقوم بها الشعوب لاعادة الحقوق الى اصحابها، ورد الأمور الى نصابها، وما قد يترتب على ذلك من دماء، كان يغني عنه، استقلال القضاء، وعدم حجب الانحرافات عن العرض عليه، وعدم التدخل في شؤونه عندما يقول كلمته، ليفرض سيادة القانون على الحاكم والمحكوم على حد سواء، اذ استقلال القضاء هو الضمانة لحماية النظم السياسية، وحصانة الدولة والمواطن في آن معاً».

الجلسة الثانية
  ورأس الجلسة الثانية نائب رئيس الوزراء السابق لشؤون التنمية في الأردن، طاهر كنعان،  وكان المحور الثاني الفساد في القطاعين الاقتصادي والمالي وقدم الخبير الاقتصادي والمستشار في التنمية العراقي، باسل البستاني البحث الاول «تأثير السياسات الاقتصادية والمالية في صناعة وبناء الدولة». وكان البحث الثاني عوائق الفساد على السياسة المالية والنقدية في دول المغرب العربي للدكتور محمد حركات، أستاذ المالية في جامعة محمد الخامس ـ الرباط، ورئيس المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية والمحاكمة الشاملة.
  والبحث الثالث السياسات المالية والاقتصادية في دول الخليج العربي، وأثرها في بناء الدولة قدمه الخبير الاقتصادي والمالي الكويتي، عامر ذياب التميمي. والبحث الرابع «دور البنوك المركزية العربية في مكافحة الجرائم المالية عابرة الحدود والجريمة المنظمة»، قدمته الخبيرة المصرفية والمستشارة الاقتصادية المصرية سلوى العنتري. وعقب ذلك مناقشة مفتوحة لمواضيع البحث.

 الفساد والامن
   ورأست أستاذة العلوم السياسية في جامعة القاهرة، الدكتورة نيفن مسعد، وكان المحور الاول «الفساد والأمن في شقيه الداخلي والخارجي» ثم تتالى تقديم البحوث، الأول: «أمن الوطن من أمن المواطن: صراع الهويات تهديد مباشر لإقامة دولة الحداثة» قدمه الفضل شلق، وزير الاتصالات الأسبق، ورئيس مجلس الأنماء والإعمار السابق (لبنان)، حيث اهتم بحثه بأمن الوطن من أمن المواطن: صراع الهويات تهديد مباشر لإقامة دولة حديثة. واعتبر شلق ان «ثورة 2011 برهنت على عدم رضا الناس عن دولهم، حيث يفترض الغرب حصول الديمقراطية قبل التنمية»، مشيراً الى أن أمن المواطن العربي يحقق بالسياسة، بتحقيق مطالب الفرد العربي في الوحدة والتنمية والديمقراطية والحرية والمساواة، وليس بالوسائل الأمنية القمعية ولا بالعودة للاستبداد».
  والبحث الثاني: «الأمن الإنساني وتحديات الحرية وحقوق الإنسان والتحول الديموقراطي في البلاد العربية، قدمته الدكتورة آمال قرامي ـ أستاذة التعليم العالي في كلية الآداب والفنون والإنسانيات (تونس).   أما البحث الثالث: «الصراعات الخارجية وأثرها على منظومة الأمن القومي والإنساني في الأقطار العربية» قدمه الدكتور حسن نافعة ـ أستاذ العلوم السياسية والرئيس السابق لقسم العلوم السياسية (مصر) كلية الاقتصاد والسياسة ـ جامعة القاهرة (مصر) وأعقب ذلك مناقشة عامة حول المحور الثالث، الذي أثنى في بحثه على «الصراعات الخارجية وأثرها على منظومة الأمن القومي والإنساني في الأقطار العربية».
 والجلسة الثانية: رأسها الوزير طبارة في محور رابع حول الفساد ودور النخب المثقفة في قيادة وتوجيه المجتمع، وقدم البحث الأول: «الفساد ودور النخب المثقفة في مسار الربيع العربي» قدمه الدكتور شربل نحاس ـ وزير العمل ووزير الاتصالات الأسبق والمستشار في السياسات الاقتصادية والتخطيط الحضري (لبنان)، الذي ركز على الفساد ودور النخب المثقفة في مسار الربيع العربي، استتبع النقاش أستاذ الفكر العربي الحديث والمعاصر والأخلاقيات في الجامعة اللبنانية الدكتور ناصيف قزي عن «دور الجامعات والأنظمة التعليمية التدريسية في تعميم وترسيخ ثقافة مناهضة الفساد، متسائلاً ألا يبدأ بناء المجتمع ببناء المواطن؟ وصورة هذا المواطن ألا ترتسم معالمها على مقاعد الدراسة؟ ولذا يعتبر أنه لا بد من العمل وبشتى الوسائل السلمية على تحقيق نظام سياسي مدني عادل، والانفتاح على كل ميادين المعرفة ومصادرها».   أما عن عناصر تحفيز المؤسسات التعليمية في عملية مكافحة الفساد في المجتمع، رأى أنه لا بد من توافر بعض الشروط ومنها: بناء جامعة حاضنة تكسب ثقة الطلاب والمواطنين بشكل عام، زرع الثقة في نفوس المواطنين وذلك بضبط العمل السياسي والإداري العام وتصويبه، وإعلاء شأن التراث الوطني.   وفي البحث الثالث كانت مداخلة للخبير الاقتصادي أحمد السيد النجار الذي تناول موضوع «الإعلام أداة للتنوير والاستنهاض وسلطة رقابية مجتمعة». وقال: «إن العدالة الاجتماعية تتحقق بتوفير فرص العمل، تمكين الشباب من كسب عيشهم بكرامة، بدلاً عن ذل البطالة كما تتحقق بنظام عادل للأجور به حد أدنى يكفي لحياة كريمة، ويتغير سنوياً بنفس نسبة التضخم، وحد أقصى يقلل التفاوت بين الدخول». وأكد أن «الإعلام يجب أن يكون منحازاً لمصالح الوطن فقط، وليس متوافقاً مع ما تريده السلطة، لأن ذلك لا يصب في مصلحة الوطن، وفي الختام فتحت جلسة النقاش بين المحاضرين والمشاركين حول الموضوعات التي طرحت».