كريمة لـ اليوم : مواجهة الفكر التكفيري تحتاج جهودا جبارةحوار: محمد السيسي 2014/04/11 - 03:00:00
آراؤه مثيرة للجدل.. فهو أول من أصدر فتوى شرعية، قال فيها: إن الإخوان خوارج العصر، لا فرق بينهم وبين قتلة سيدنا عثمان وسيدنا علي، وساق فى سبيل تأكيد ذلك العديد من الأسانيد. يرى أن إقحام الدين فى السياسة سبب الكوارث التي نمر بها في مصر وربما الوطن العربي، وفى المقابل كان من أشد المعارضين للرئيس السابق محمد مرسي!! وقال إن ترشحه للرئاسة باطل شرعا. هو الدكتور أحمد كريمة، أحد أبرز الدعاة الإسلاميين في الوطن العربي وأستاذ الشريعة الإسلامية بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الأزهر. حصل على درجة الدكتوراة في الفقه.. لم يكتف بتدريسه للشريعة الإسلامية في جامعة الأزهر، بل يقوم بإلقاء الخطب وإقامة الندوات في المساجد ومراكز الشباب وقصور الثقافة، كما يقوم بنشر تعاليم الدين الإسلامي عبر العديد من البرامج الإذاعية والتلفزيونية. قام بالتدريس في العديد من الجامعات العربية ،ولمع نجمه مع صعود الإخوان إلى الحكم بوصفه أحد أشد المعارضين لوصول الجماعة إلى حكم مصر ، فإلى تفاصيل الحوار:
• كيف ترى وتفسر سلوك الإخوان المسلمين، خصوصًا وأنهم يدعون أن ما يقومون به لخدمة الإسلام؟
الإخوان هم خوارج العصر، فقديما كان الخوارج يتبنون الفكر الدموي، وكانوا دائما يتعصبون لحزبهم ولآرائهم التي يرونها فوق الحق زورًا، فحاصروا منزل سيدنا عثمان بن عفان -رضي الله عنه- وقتلوه شر قتلة، وتربصوا بسيدنا علي بن أبى طالب -رضي الله عنه- واغتالوه وهو في محراب الصلاة.
وفي الماضي القريب، خرج علينا سيد قطب، وكان أول من نادى بهذا الفكر الدموي الإجرامي في ستينيات القرن الماضي، وأصدر كتابا دعا فيه إلى جهاد المسلم ضد المسلم، وحرَّض فيه على قلب نظام الحكم، ورتب من خلال تنظيم مسلح لاستهداف محطات الكهرباء وإغراق القناطر الخيرية؛ لإشاعة الفوضى في البلاد، وتبرير التدخل الدولي.
أليس هذا هو فكر الخوارج؟.. أليس في تكفيره لبعض المذاهب، وتحريمه السلام الوطني وتحريم احترام الجندي "المصري بالذات" للرتبة الأعلى منها إفساد للحياة المجتمعية، وإشعال لنار الفتنة فى المجتمع، فكيف بعد كل هذا لا نقول إن الإخوان خوارج المسلمين؟!..
هؤلاء لا يقيمون للدين وزنا، ولا للوطن قيمة، ولا للدماء والأعراض والأموال حرمة، يتلقون أموالا لإحراق الوطن العربي.. وعندما يكون له هذه الأيام تابعون ــ القطبيون ــ ينتهجون ما نادى به، فلماذا لا نسمي الأمور بمسمياتها.. فهؤلاء هم خوارج العصر.
• فسر وصفك لهم بأنهم خوارج العصر بأنه دعوة لاستباحة دمائهم ونسبت إليك تصريحات تقول فيها إن قتلهم ضرورة حتى تستقيم الأمور في مصر؟
•• لم أقل هذا الكلام يوما ما، وليس من حقي استباحة دم مسلم أيا كانت اتجاهاته، فهذا تلفيق، وتلفيق التهم هذه الأيام هو مهمة الإخوان في المواقع الإلكترونية والجرائد الخاصة بهم، هؤلاء هم من يستحلون الدماء والأعراض والأموال.
والله تعالى أوضح لنا الحكم الشرعي لقاتل النفس على أنه مرتد، ولا يكون ذلك إلا بواسطة القضاء؛ لأنه هو المفوض من ولي الأمر بتحقيق العدل في المجتمع.
هم من قال عنهم الله تعالى: «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلَى مَا فِى قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَام، وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ، وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ»
وقال عز وجل في موضع آخر من القرآن الكريم: «أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ».
فهؤلاء مجرمون يستحقون أقصى العقوبات الزاجرة الرادعة بعدالة ليست بطيئة ولا متراخية ولا بد من المواجهة بحسم وحزم دون أنصاف حلول، وبعزائم قوية، وليست بأيد مرتعشة، لفصائل الخوارج، فقد فقال تعالى: "لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا».
• فكر سيد قطب وما به من مخالفات شرعية لم يجد من يفنده.. أين كان الأزهر الشريف من تنامي هذه الأفكار الهدامة؟
•• الأزهر لا يملك سوى إبداء الرأي العلمي فقط، ويحكم إذا كان هذا الرأي به مخالفات علمية أم لا، ولكن ليس من حقه الحجر على الرأي الشخصي، ولا أن يصادر كتابا.
ونحن للأسف، نعيش منذ 40 عاما تقريبا، وبالتحديد منذ أن فتح الرئيس الراحل السادات الباب على مصراعيه للإخوان وغيرهم، وأدخلهم حلبة السياسة، حالة من السيولة والفوضى، ولا يعقل أن كل أمر نلقي فيه باللوم على الأزهر الشريف، فهذا الموضوع بالتحديد مسئولية الدولة، من الدرجة الأولى، فالدولة مدانة والمجتمع كله مدان، وكل مؤسسات الدولة، التعليم والإعلام.
• تصريحاتك الاشكالية، حول صيام معتصمي رابعة العدوية والنهضة باطل شرعا، من مات فى اعتصامي الإخوان مات منتحرًا وغيرها، هذه الفتاوى تبعد أكثر مما تقرب، وتعقد أكثر مما تحل؟
•• الفتاوى لا تقال في المطلق وليس من حق أى شخص أن يفتي بغير علم، فمن يتصدى للفتوى يجب أن تتوافر فيه شروط غاية في الصعوبة لا توجد في كل الأشخاص، وللأسف نحن فى العالم العربى نعاني من فوضى الفتاوى، وقد كنت أبدي آرائي الفقهية ردا على فتاوى مغلوطة تحرض المعتصمين وتقول لهم إن ما يقومون به جهاد في سبيل الله، ووصل الأمر لأن يقول أحد المشايخ إن الاعتصام في رابعة العدوية أحب إلى الله من حج بيت الله الحرام!.
وعموما موضوع الشهادة أمر متعلق بالله سبحانه وتعالى، أنا لا أستطيع أن أقول عن الذين قتلوا في اعتصام رابعة العدوية وميدان النهضة شهداء، أو منتحرين.. ولكن من مات منهم وكان جاهلا فهذا أمره إلى الله -عز وجل-، إن شاء عفا عنه، وهذا في عقيدتنا عقيدة أهل السنة والجماعة أما الذى مات وهو عالم عامد فهو من الخوارج.
• قلت إن ما نعانيه الآن هو إقحام الدين في السياسة، وفي المقابل تصدر آراء فقهية وفتاوى ذات بعد سياسي منها مثلا فتوى تقول فيها: ترشح د. مرسى باطل شرعا.. ما تعليلك لذلك؟
•• جماعة الإخوان ومنذ سنوات طويلة معروف اتجاهها وأفكارها، وعندما يتم ترشيح شخص منها هذا بمثابة اعتراف ومباركة لأفكارها، وعندما خاض «مرسي» الانتخابات لم تكن نزيهة ولا شريفة، تم فيها منع المسيحيين من التصويت.. واستغلال حاجة الناس المادية بتوزيع "الزيت والسكر" عليهم وهذا كله باطل شرعا.
عندما يقوم الإخوان بتجنيد بعض أشياخ متسلفة (ولا أقول سلفيين) ليصدروا فتاوى بأن من يصوت لمرسي دخل الجنة وغير ذلك، أستطيع أن أجزم أن 80% من أصوات مرسي باطلة، ولا يمكن التوصل إلى طاعة الله بالمعصية، وللأسف فإن مشايخهم قاموا بتبرير ذلك.
هناك أشياء غير مفهومة حدثت.. لماذا قبلوا أوراق ترشيح د. محمد مرسي وهم يعلمون أنه متهم فى قضية تخابر، الحاكم شرعا له مواصفات لم تكن متوفرة فى محمد مرسي، لذلك قلت إن ترشحه باطل شرعا.
• يعيب البعض على علماء الأزهر تدخلهم في السياسة، الشيخ القرضاوي وغيره في جانب ومشايخ آخرون في جانب آخر، وكل يوم فتاوى متضاربة؟
•• علماء الأزهر لم يكن لهم في أى عصر من العصور أى دور سياسي ولكن كل ما هنالك أنهم كانوا دائما يقومون بدور وطني، كانوا يلتحمون بالجماهير حتى يتعرفوا على مشاكلهم ويقفوا بجانب المظلوم وينصروه في مواجهة الباطل، وليس لهذا الأمر دخل بالأمور السياسية حتى وإن كانت الأمور تتعلق فى الشكل بالسياسة، وادعوا كل علماء الأزهر الشريف في الوقت الحالي أن يعودوا إلى دورهم الوطني وأن ينحوا أنفسهم عن الخوض في السياسة.
• كيف ترى إذن ما يقوم به د. يوسف القرضاوي والفتاوى التي يصدرها في الوقت الحالي، والفتاوى العكسية من علماء أزهر آخرين؟
•• أنا حزين لما وصل إليه حال هذا الرجل، ولا أنكر عليه أنه من علماء الأزهر المجددين، وله الكثير من المؤلفات الفقهية القيمة، ولكن عندما يحرض على جيش بلده، ويدعو إلى إراقة الدماء.. هل نتركه ينعق بذلك ؟ لا بد أن تخرج فتاوى معتدلة صحيحة شرعا ترده.. ونرجو منه أن يتوب إلى الله تعالى، وأن يراجع نفسه، ويتبرأ من أفكاره التي لا تليق بعالم أو فقيه مثله، يجب أن يظل داعياً للسلام لا داعياً للفتن.
• كان نادرا أن تجد من بين الإرهابيين من ينتمون للأزهر.. ألا ترى أن الأزهر الشريف قد تم اختراقه من قبل بعض الجماعات الإرهابية؟
•• فى الماضى القريب وعلى مدار 1100 سنة، لم يحدث أن واحدا من الدارسين أو العاملين بالأزهر الشريف اعتنق الفكر التكفيري أو الإخواني، باستثناء أفراد لا يمثلون الكثرة من الأزهر الذي يتبنى الفكر الوسطي في جميع مجالاته، ولكن مع بداية حكم الرئيس الراحل محمد أنور السادات حينما أدخل الدين في السياسة، والسياسة في الدين، وسمح للإخوان بالمشاركة السياسية، وأعطى مساحة كبيرة لهم للتواجد على الساحة، حدث ما حدث.
السادات في اعتقادي لم يكن يدري وقتها أن هذا سيكون على حساب الأزهر ومصر والوطن العربي بأكمله، ثم جاءت النكبة الكبرى فى عصر الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، عندما سمحوا لغير المؤهلين باعتلاء المنابر، ليس هذا فقط بل مع ظهور الفضائيات تم إعطاء تراخيص لفتح الكثير من القنوات الفضائية الدينية التي تبث وتنشر الأفكار المتطرفة، وبدأت فى احتلال البيوت وغزو العقول، وبطبيعة الحال فان المال هو محرك للعديد من الأمور، وهناك فى كل مكان ضعاف النفوس الذين ارتضوا أن يكونوا تابعين لا متبوعين حتى في داخل الأزهر الشريف.
وبذلك على منابر المساجد كثيرون من غير المؤهلين وفى البيوت فضائيات يتحدث فيها غير مؤهلين، هذا كله كان له تأثير كبير على المواطن العادي فى المجتمع الذى لا يعلم الكثير من أمور دينه، وما بين القنوات الفضائية التي لا يملك الأزهر حتى واحدة منها، ورواج شعارات براقة كالخلافة وغيرها، ومع سوء انتقاء القيادات في المؤسسات الإسلامية، ساعد كل هذا على انتشار الفكر الارهابي في المجتمع المصري، وللأسف أدى إلى اختراق الأزهر الشريف علماء وطلاب.
• التيار التكفيري قد لا تنفع معه الحلول الأمنية.. ويجب أن تكون هناك مواجهات فكرية للقضاء عليه وعلى الإرهاب، أين دور الأزهر؟
•• المواجهة تحتاج إلى جهود جبارة، فليس من المعقول أن يتم إزالة الركام الذي استغرق تكوينه 40 عاما في يوم واحد، فالأمر يحتاج إلى كثير من التفكير والتعقل والتدبر، ومن بين أهم الإجراءات التى يجب أن تتخذها الحكومة هى: حسن اختيار القيادات، ووضع خطط علمية وتربوية، وتجفيف منابع الفكر الإرهابى عن طريق غلق تلك القنوات والمنابر ذات الصبغة المتشددة، والعودة إلى المنهج الأزهري الوسطي، عن طريق إعطاء الفرصة للكفاءات التى يمتلئ بها الأزهر، وهى قادرة على تصحيح المفاهيم، والذين هم حتى هذه اللحظة مهمشون ولا يملكون القدرة على المضي قدما نحو الإصلاح.
• هناك دعوات تنادي بالمصالحة الوطنية بين أطياف المجتمع.. وغض الطرف عن أعداد القتلى والمصابين.. فما رأيك فى هذه المطالبات؟
•• أنا خادم للشريعة الإسلامية، لذلك لا استطيع أن أرفض المصالحة، خاصة وأن الله تعالى حث عليها في كتابه العزيز، فقال عز وجل: «وإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ» والإصلاح يكون على المستويين الفردى والجماعي، ويتأكد فى زمن حدوث الفتن لأن الإصلاح في هذه الحالة يحقق الأمن المجتمعي، والمصالحة المجتمعية واجبة في غير حقوق العباد من إراقة دماء وإتلاف الأموال وتخريب المنشآت، فمن فعل ذلك كان ضامنا، سواء ارتكب من باب الحرابة أو البغي، ونص أئمة العلم على أن المحارب يضمن ما أتلفه، فإن قتل أحدا أو نهب مالا فهو ضامن ذلك، ولا مانع من المصالحة شريطة ضمان البغاة والمحاربين لحقوق العباد، أما من صدر بحقه أمر قضائى لجنايات اقترفها، فإن كان من حقوق الله عز وجل فالعفو، أما إن كانت من حقوق العباد، فلا تملك السلطات المعنية العفو إلا بتنازل من المعتدى عليهم.