صفاء قره محمد ـ بيروت 2014/04/11 - 03:00:00
شدد المؤتمر السنوي العاشر بعنوان «لبنان اليوم... بين تداعيات المسار وإمكانات النهوض» لجامعة الحكمة في لبنان على أن «العصبيات لا تزال تتحكم في تصرفات وسلوك الغالبية العظمى من ابناء الطوائف، فالانتماء الى الطائفة هو عصبية اكثر مما هو انتماء ديني ومذهبي». وأكدت أن «أَزمة عبور الوطن اللبناني إلى مستوى دولة قائمة ذات سيادة لم تَكن سوى أزمة نمو وارتقاء حقيقيّ على صعيد المنطقة بأَسرها»، موضحة أَن «إمكانات النهوض ليست مستحيلة إذا ما توافر للبنانيين حدّ من الوعي لما يصيبهم».
وشارك في المؤتمر وليّ الجامعة المطران بولس مطر، ورئيسها المونسنيور كميل مبارك، الرئيس حسين الحسيني، ووزراء ونواب حاليون وسابقون وممثلو القيادات والهيئات القضائية والأمنية والعسكرية والتربوية والاجتماعية رؤساء جامعات وأصحاب اختصاص في عالم السياسة والقانون والمال والأعمال وخبراء وآكاديميون.
الإشكالية والحلول
وأكد الأمين العام للجامعة انطوان سعد بأن لبنان اليوم لا يشبه أيام لبنان، فالجسد الوطني المنهك أقعدته المعاناة، إذ تكسّرت عليه نصال الأزمات، المزمنة والمستجدّة، وتقاطعت على أرصفته تحوّلات ينتجها الخارج، وتتفاعل في الداخل... وتعرفون النتائج وكل التداعيات»، معتبراً أنه «لأمر مثير ومقلق حقاً أن يكون الوطن ذا السيرة الحضارية العريقة والمسيرة الديموقراطية الرائدة سائراً اليوم على قارعة المجهول يلامس باسم الديموقراطية حافة الفراغ ويتلّمس، وبأية صعوبة، سبل النجاة».
بدوره، أوضح المونسنيور مبارك بأنه إذا ما تداخلت في لبنان أسباب الأزمات ونتائجُها أفقياً وعمودياً وخارجياً ودخلياً، إلَّا أَنَّ إمكانات النهوض ليست مستحيلة إذا ما توافر للبنانيين حدّ من الوعي لما يصيبهم، ومن القلق ممَّا ينتظرُه مستقبلُهُم، ومن السعي الى التغيير بواسطة خيارات وقيادات عودتنا على الثقة بنهجها الوطني»، معتبراً أن «القراءات الوصفية والنقدية لواقع لبنان اليوم تؤسس لهذا الوعي المطلوب، فندخلُ معاً الى جوهر المعاناة وأَسبابها، ونتلمَّس تداعياتها الموجعة على كلِّ مفاصل الوطن، ونسعى مع الساعين الى استنباط الحلول، مدركين تمام الادراك، أنَّ المطلوبَ ثورةٌ على الذات، قبل الثورة على السلطة، لمحاولة إصلاح ما فسد، من أجل ايجاد العلاج الدائم بلا قتل ولا معوقين ولا تصفيات ولا يتامى. ذاك أنّ الحريّة والاصلاح لا يقاسان بخيارات طالبيهما، بل بارتباطهما بالحقيقة والعدالة والخير العام، وإلّا انقلبا الى فوضى وشكَّلا خطراً على الوطن والشعب».
انعزال واندماج
ومن اليوم ستكون لنا وقفة يوبيلية مهمة في مناسبة مرور مائة عام على قيام دولةِ لبنان الكبير»، موضحاً انه «ما كان الإجماع كاملاً في البداية حَول فكرة هذا الوطن، لكنه كان قائماً وحقيقياً، والتاريخ يَشهَد أنه قد تعاظم وتَكاملَ عبر مسار وحدوي عرفَه لبنان طوال قرن مضى. وقد ثبت معه أن أَزمة عبور الوطن اللبناني إلى مستوى دولة قائمة ذات سيادة لم تَكن سوى أزمة نمو وارتقاء حقيقيّ على صعيد المنطقة بأَسرها».
وقال المطران مطر: «كم تَحدث البعض عن الكيان اللبناني واصفا إياه بالمصطنع، وكأنه كيان معزول عن أمة وعن محيط أوسع. لكن هذه الآراء أصابت تراجعاً كبيراً بمقدار ما برز لبنان رسالة في العيش المشترك السوي وفي المواطنةِ الحقة والحرَة الكاملة لِلعبادة ولِلضَميرِ، المعتَرَف بها لكل فرد وجماعة، في ظِل دولة مدنية ، وبفضل اعتراف الدولة بعطاءات كل مكون من مكوِناتها وإبراز هذه العطاءات إلى حيزِ الوجود. هكذا تَطور المسار اللبناني بتأرجحه بين انعزال واندماج حتى بلغ قمةَ التأليف بين هاتين الحركتَين والمصالحة الهادفَة بين الوحدة والتنوع، سياسياً وثقافياً فظهَر في منطقته وفي العالم مواكبا لحركة التاريخ لا معاكساً لها ولا خارِجا عنها».
وأضاف المطران مطر: «البعض يأخذ على لبنان أنه رسخ في حكم ذاته نظاماً طائفياً لا يرون له مثيلاً في كثير من الدول. إن هذا النظام قد تأتى من عَقبات التَّاريخِ، حيث كانت الأمبراطوريات تعمل بدساتير مختزلة إلى أقصى الحدود، وتمايز في رعاياها بين جماعة وجماعة. فاتخذ النظام الطائفي وسيلة لضمان المشاركة بين كل الجماعات في حكم بلدانها، ولتخَطي الفروقات التي أقيمت بينها على مدى قرون من الزمن. لكن المستقبل مفتوح للتطور وهو مرتبط بجهود يجب أن تبذل على صعيد المنطقة بِأَسرها، وبخاصَة في هذه الحقبة الرهيبة التي نعرفها اليوم.
مشروع عظيم
وتحت عنوان: «هل أصبح لبنان حقاً في دائرة الخطر؟ التداعيات السياسية والدستورية» بدأت الجلسة الاولى التي ترأسها الرئيس حسين الحسيني وشارك فيها رئيس المجلس الدستوري عصام سليمان، رئيس مجلس الخدمة المدنية الوزير السابق خالد قباني، وعميد كلية الحقوق في جامعة الحكمة مارون البستاني.
وقال الحسيني: «علينا ان نحذر انفسنا اذ نتحدث عن انفسنا الفردية، او عن انفسنا الجماعية، فالنفس اللبنانية امارة بالمبالغة، لهذا الدافع او ذاك او لهذه الغاية او تلك. الدولة اللبنانية دولة من الدول، والدول جميعها كما نعلم، انما هو، في غابة، قد نسميها مجتمعا دوليا على سبيل التفاؤل. لكن هذه التسمية لا تقينا شرور الغابة، وان كانت معبرة عن الأمل ببعض الإشارات الانسانية، بل داعية الى السير في هذا الإتجاه المرغوب. والدول جميعها كما نعلم، تولد وتموت وبعضها قد ينتحر فلا خلود طبيعيا هنا، بل صراع من اجل البقاء، وهو بقاء لا سبيل اليه الا بالارتقاء المتواصل الى ما شاء الله».
تغليب البعد الطائفي
وألقى عصام سليمان محاضرة مسهبة بعنوان الصيغة والنظام والدستور وامكانات الصمود اعتبر فيها ان «بنية المجتمع اللبناني مركبة ومعقدة، تشكل الطائفة الدينية المكون الأكثر بروزا فيها». وقال: «ان العصبيات لا تزال تتحكم في تصرفات وسلوك الغالبية العظمى من ابناء الطوائف، فالانتماء الى الطائفة هو عصبية اكثر مما هو انتماء ديني ومذهبي». ورأى أن «العيش المشترك وجد في لبنان تعبيرا عنه في الصيغة التي قامت عليها الدولة، وقضت المشاركة الطائفية في الدولة بتوزيع المراكز الأساسية بين الطوائف، وهذا التوزيع له ما يبرره. فالتعددية في المجتمع اللبناني هي تعددية مجتمعية والصراعات التي نشبت بين الطوائف ادت الى تقوية العصبيات الطائفية والمذهبية. فلا يمكن قيام دولة جامعة لطوائف تتحكم فيها العصبيات من دون وضع ضوابط للصراع على السلطة فيما بينها»، موضحاً ان «الممارسة السياسية ادت الى تغليب البعد الطائفي على البعد الوطني وجرى التعامل بالمشاركة الطوائفية وكأنها مشاركة محض طائفية غايتها تقاسم السلطة وبالتالي الدولة من قبل الطوائف». ودعا الى «توسيع صلاحيات المجلس الدستوري بإعطائه صلاحية النظر بدستورية القوانين التي تتشكل على اساسها السلطة السياسية والادارات المحلية، وتحديدا قانون الانتخابات النيابية وقانون اللامركزية الإدارية، مشيرا الى انه ينبغي على قانون الانتخابات النيابية ان يحقق تمثيلا صحيحا وعادلا، ويساعد على تحقيق تعددية في التمثيل النيابي داخل الطوائف وتمثيل المرأة وتجديد الحياة السياسية».
يستعصي على الفهم
واعتبر قباني في مداخلة له تحت عنوان: «الديموقراطية في لبنان بين الواقع والممارسة» ان «الواقع في لبنان ليس معبراً عن المبادئ والقيم التي تقوم عليها الديموقراطية التي ناضلت من اجلها الشعوب لتحرر نفسها من التسلط والاستبداد واحتكار السلطة، ولتكون صاحبة السيادة والقرار النهائي فيما خص مصالح البلاد العليا وتقرير مستقبلها ومصيرها».
وأوضح أن «النظام السياسي والدستوري في لبنان يستعصي على الفهم والتصنيف فلا هو نظام برلماني، ولا نظام توافقي، ولا نظام رئاسي او شبه رئاسي، ولا نظام مجلسي»، معتبراً أن «الإشكالية هي أن ممارسة الحكم تتم من خارج الدستور، ولا احترام لقواعده ومبادئه، حيث النظام هو نظام توازن القوى الداخلية المتغيرة والمتبدلة التي تتحكم بها موازين القوى الإقليمية والدولية والتي تسيرها المصالح والتنازع على النفوذ». وألقى البستاني مداخلة عن ذهنية المواطنة بين الانتماء والالتزام فعرف بالمواطنة وعدد العوائق التي تحول دون قيامها، قائلاً: «عندما يفقد الناس الثقة بالمواطنة، لا يعود الوطن يعني لهم الشيء الكثير، ولا تعود تجذبهم اليه سوى الذكريات والتقاليد، فيطرقون اصقاع الأرض، يفتشون عن وطن بديل، وعن وثيقة سفر أُخرى تعطيهم ضمانة، ولو وهمية، لا يجدونها في وطنهم الأصلي».