أطفال فلسطينيون في مخيم الجلزون على مشارف رام الله
اختفاؤها ضربة قاسمة لجهود توحيد الضفة الغربية وقطاع غزةاليوم - خاص 2014/02/21 - 03:05:00
يشعر الفلسطينيون بالقلق من احتمال انهيار السلطة الفلسطينية، تحت وطأة ضغوط وعقوبات قد تفرضها إسرائيل عليها. ويعتقد معظمهم أن إسرائيل تنظر إلى السلطة الفلسطينية على أنها تلعب دورين مهمين، فهي تعفي سلطة الاحتلال من مسؤولية رعاية أولئك الذين يعيشون في ظل الاحتلال، وتقي إسرائيل التي ترغب في حماية هويتها اليهودية من التهديد الديموغرافي المتجسد في واقع الدولة الواحدة الحالي.
ورغم ذلك، قد تلجأ إسرائيل إلى فرض عقوبات من شأنها أن تؤدي -عن قصد أو عن غير قصد- إلى انهيار السلطة الفلسطينية، في حال نجحت السلطة الفلسطينية في تحدي وتغيير الوضع القائم بشكل فعال.
وكشف المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، في رام الله وسط الضفة الغربية، أبرز تفاصيل الدراسات وتقارير المواقف الفلسطينية الامريكية المشتركة، والتي تضع تصورات لليوم التالي لفشل المفاوضات وانهيار أو حل السلطة الفلسطينية.
وانطلقت المبادرة التي سميت بـ "اليوم التالي" من احتمالية انهيار السلطة الفلسطينية أو اتخاذها لقرار بحل نفسها في المستقبل القريب، وذلك تحت وطأة أعباء الضغوط المالية والسياسية المختلفة، ومن الإيمان بأن هناك حاجة للفلسطينيين لتباحث الآثار المترتبة على مثل هذا التطور على ظروف معيشتهم وعلى نضالهم من أجل الاستقلال وبناء الدولة.
وقال الدكتور خليل الشقاقي رئيس المركز لـ(اليوم): إن المركز قام بتنفيذ مبادرة لدراسة الآثار المترتبة على حل أو انهيار السلطة الفلسطينية، على مختلف القطاعات في فلسطين، ومنها: السياسية، والاقتصادية، والأمنية، والحياة الاجتماعية، بالتعاون مع مشروع الشرق الأوسط للولايات المتحدة (USMEP)، والمركز النرويجي لمصادر بناء السلام (NOREF).
وأوضح الشقاقي: "قام المركز، لما يزيد بقليل عن ستة أشهر، بتشكيل عشر فرق يتألف كل منها من ثلاثة خبراء وأكاديميين وكبار رجال الأعمال، ووزراء سابقين وحاليين وشخصيات عامة، حيث أعدت الفرق عشر ورقات تتناول عشرة قطاعات أو قضايا مختلفة. وكانت معظم القطاعات التي تم بحثها ذات صلة بالخدمات، منها على سبيل المثال: الصحة، والتعليم.
إنجاز وطنيويقول الدكتور شقاقي في الملخص التنفيذي للمركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية: "على الرغم من أن معظم الفلسطينيين ينظرون إلى السلطة الفلسطينية على أنها إنجاز وطني، إلا أنهم يختلفون فيما بينهم في تقييمهم للدرجة التي تفي بها السلطة حالياً بدوريها الرئيسيين، كوسيلة لإقامة الدولة وكأداة لبناء المؤسسات. ويعكس هذا الجدل الإحباط الفلسطيني المتنامي تجاه وتيرة صنع السلام، وتزايد المخاوف بشأن فرص استمرارية السلطة الفلسطينية، وقدرتها على التمتع بالشرعية وتوفير الخدمات في بيئة تغدو قاسية بشكل متزايد بسبب الأزمات المالية المتكررة، وفقدان الشرعية الانتخابية، وعدم القدرة على إنهاء الانقسام بين فتح وحماس، وإعادة توحيد الضفة الغربية وقطاع غزة.
ويخشى البعض من أن السلطة الفلسطينية قد تنهار تحت وطأة الضغوط الداخلية: كتفاقم الأزمات الاقتصادية، والمالية وتصاعد الإحباط والغضب الشعبي، وما ينجم عنه من إضرابات في القطاعين الخاص والعام، ومظاهرات وعودة لظهور الميليشيات المسلحة.
ويعتقد عدد ضئيل من الفلسطينيين، أن السلطة الفلسطينية يجب أن تحل نفسها؛ لإجبار إسرائيل على تحمل مسؤوليتها الكاملة كقوة محتلة. عندها، ستضطر إسرائيل إلى أن تختار، إما تعزيز واقع الدولة الواحدة -ما سيضطرها أن تصبح إما دولة فصل عنصري أو تمنح الفلسطينيين حق المواطنة الكاملة- أو إنهاء احتلالها ومنح الفلسطينيين الاستقلال والسيادة.
ثلاثة خياراتوقال الشقاقي: قد يجبر انهيار أو حل السلطة الفلسطينية، صناع السياسة الإسرائيلية على مواجهة ثلاثة خيارات: الحفاظ على صورة محسنة عن الوضع الراهن من خلال السماح للفلسطينيين والدول المانحة بمواصلة إدارة تقديم الخدمات، أو العودة إلى الوضع الذي كان سائداً قبل عام 1994، حيث تتولى إسرائيل المسؤولية المباشرة عن رعاية السكان الفلسطينيين الخاضعين لاحتلالها، أو البدء في عملية فك ارتباط محدودة تهدف من ورائها إلى تجميع وتعزيز مشروعها الاستيطاني في عدد قليل من الكتل الاستيطانية الكبيرة في الوقت الذي تُبقي فيه على وجود عسكري في مختلف أنحاء الضفة الغربية.
ويرى الشقاقي من نتائج دراسة الموقف، أنه بغض النظر عن البدائل التي قد تختارها، فمن المرجح أن يقوم الفلسطينيون بتعقيد الأمور في وجه إسرائيل، في محاولة لإجبارها على إنهاء احتلالها.
وسيكون لرد الفعل الفلسطيني على الإجراءات الإسرائيلية تأثير على الحل النهائي للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، والسبل المعتمدة لتحقيق ذلك. فقد يتعرض حل الدولتين لضربة مدوية؛ ما يؤدي إلى ارتفاع الأصوات المطالبة بإيجاد حلول أخرى مثل حل الدولة الواحدة.
وقد يشكل انهيار السلطة الفلسطينية أو حلها ضربة مدوية لجهود الفلسطينيين الرامية لتوحيد الضفة الغربية وقطاع غزة، لا سيما إذا ما خضعت الأولى لاحتلال إسرائيلي كامل وكسبت الأخيرة المزيد من الاستقلال ومن سمات الدولة. وفي الوقت الذي سيتعرض فيه نهج حركة فتح في حل الصراع مع إسرائيل إلى ضربة قاسمة، ستكسب حماس مصداقية أكبر مما سيتيح لها الفرصة لاستعادة قوتها التي فقدتها منذ استيلائها على قطاع غزة بالقوة عام 2007.
كما سيؤثر غياب السلطة الفلسطينية على حياة الفلسطينيين في الضفة الغربية بشكل ملحوظ. وغني عن القول أن أسوأ السيناريوهات ستكون نتاجاً للتأثير المشترك للانهيار المتوقع للقانون والنظام العام، ولتلاشى أكثر من 3 مليارات دولار من الإنفاق العام.
مصالح وسيناريوهاتتعتبر السلطة الفلسطينية، بالنسبة لمنظمة التحرير الفلسطينية ومعظم الفلسطينيين، إنجازا وطنيا، فهم يرون أن السلطة الفلسطينية تفي بدورين، وسيلة لإقامة الدولة التي تجسد تطلعات الفلسطينيين للسيادة والاستقلال، وكأداة لبناء المؤسسات التي تجسد التطلعات نحو تنظيم وتقديم فعال للخدمات علاوة على حكم رشيد ونظيف.
وحتى الآن، تثار علامات استفهام بشأن ما إذا كانت السلطة الفلسطينية تفي في يومنا هذا بهذين الدورين. وفي واقع الأمر، يعتقد المتشككون من بين الفلسطينيين أن وجود السلطة الفلسطينية بحد ذاته يساعد على بقاء، وليس إنهاء، الاحتلال أو قيام الدولة. ويعتقد آخرون أن استمرار وجود السلطة الفلسطينية يخدم المصالح الضيقة لنخب صغيرة في الحركة الوطنية، إلا أنها قوية سياسيا وماليا ومستفيدة على حساب الشعب الفلسطيني. على أي حال، يشكل المتشككون، في الوقت الراهن، مجموعة صغيرة غير قادرة على زعزعة الوضع أو تغيير اتجاه السلطة الفلسطينية.
بالنسبة لإسرائيل، فإن السلطة الفلسطينية تلعب دورين مهمين أيضا، حيث إنها تعمل من ناحية كمزود للخدمات، مُعفِية بذلك القوة المحتلة من مسؤولية رعاية أولئك الذين يقبعون تحت احتلالها.
ومن ناحية أخرى، فهي تعمل كهيئة حكم ذاتي، كدرع واق لإسرائيل تحميها من التهديد الديموغرافي لطابعها اليهودي، وهو التهديد المتجسد في واقع الدولة الواحدة الراهن. يمكن لإسرائيل أن تحتفظ بكعكتها وأن تأكلها في نفس الوقت باستمرارها في الاحتلال وسيطرتها على الفلسطينيين، إلى جانب الحفاظ على طابعها اليهودي والديمقراطي وتجنبها للعواقب الديموغرافية لاحتلال لأجل غير مسمى، وإعفاء نفسها في الوقت نفسه من عبء رعاية الفلسطينيين.
رغم ذلك، يشعر البعض في إسرائيل بالقلق من وضع يتم فيه دفع السلطة الفلسطينية باتجاه الزاوية، فقد تقرر تغيير مسارها وتتبنى نموذج الدولة الواحدة؛ مما سيؤدي إلى خلق أمر واقع من الفصل العنصري، يحاكي فيه الفلسطينيون كفاح جنوب أفريقيا برفع شعار المساواة: شخص واحد- صوت واحد.
الانقسام الفلسطينيوقد يوجه اختفاء السلطة الفلسطينية ضربة قاسمة لجهود الفلسطينيين الرامية لتوحيد الضفة الغربية وقطاع غزة، لا سيما إذا ما وقعت الأولى -الضفة الغربية- تحت الاحتلال الإسرائيلي الكامل وكسبت الأخيرة -قطاع غزة- مزيدا من سمات الاستقلال والدولة. وفي الوقت الذي سيتعرض فيه نهج حركة فتح في حل الصراع مع إسرائيل لضربة مدمرة، فإن حماس سوف تكسب مصداقية أكبر مما يتيح لها المجال للاستعادة التدريجية لقوتها التي فقدتها منذ استيلائها على قطاع غزة بالقوة عام 2007
إسرائيل تضغط على الفلسطينيين بالتوسع الاستيطاني