الحل العسكري «إفلاس سياسي» وهناك ما يجعل أثيوبيا « تزحف»العزب الطيب الطاهر ـ القاهرة 2014/02/21 - 03:00:00
رغم تأكيدات الجانبين المصرى والأثيوبى على لسان رئيسي وزرائهما الدكتور حازم الببلاوى وهايليوماريم دسالين من أن الحوار هو السبيل الوحيد للوصول الى حل لأزمة سد النهضة ولاحتواء التوتر الذى يسود علاقات البلدين خاصة بعد فشل آخر جولة مباحثات بين وزير الرى والموارد المائية المصرى ونظيره الأثيوبى بأديس أبابا .
واللافت أن الوزير المصري بعد عودته من أديس أبابا استخدم تصريحات شديدة اللهجة لم يعتد عليها من قبل، فقد وصف الموقف الأثيوبى بالمتعنت وعدم الاستجابة للمقترحات المصرية التى تتكئ على تلبية مصالح مصر فى مياه النيل، وتراعى متطلبات التنمية وحاجة أثيوبيا للطاقة، مهددا فى الوقت نفسه بإمكانية اللجوء لتدويل أزمة سد النهضة، ومؤكدًا أن كل الخيارات والسيناريوهات متاحة ومع ذلك لم يشأ أن يعطى إشارة على غلق مصر باب التفاوض مع أديس أبابا، داعيا من وصفه بمتخذ القرار الإثيوبي «أن يأتي إلينا بالحل، وبشكل يرضي كل الأطراف، ولا يؤثر على حصة مصر المائية».
خيار سلمي ويمكن من قراءة دلالات هذا التصريح أن مصر ما زالت مقيمة فى خانة الخيار السلمى للتعاطى مع الأزمة، وعندما تحدث وزير مواردها المائية عن ان « كل الخيارات والسيناريوهات متاحة لم يكن يقصد اللجوء الى الخيار العسكرى فى ظل تقلص نجاح فرص الحل السياسى وإنما كان يقصد بكل وضوح اللجوء الى المنظمات الدولية المعنية لتكون الفيصل فى هذه الأزمة»
ووفقا لرؤية اللواء أحمد عبدالحليم الخبير الأمني والاستراتيجي، فإن الحل الدبلوماسي هو الأمثل بالنسبة لمصر في التعامل مع قضية سد النهضة التي تعمل إثيوبيا على إنشائه على النيل الأزرق، مشيرا الى أن ضرب السد لن يؤدي الى النتائج المرجوة منه، ولن يفيد بشكل كبير. وأن الحل الآخر هو التوجه القانوني إلى محكمة العدل الدولية ومجلس الأمن والمحكمة الجنائية الدولية والأمم المتحدة، للحفاظ على الحق التاريخي لمصر في مياه النيل، مطالبا رئيس الجمهورية المستشار عدلى منصور والحكومة بسرعة تشكيل فريق لإدارة الأزمة من أفضل الخبرات المصرية في القانون الدولي والتخصصات المتعلقة به، لإدارة ما يعتبره أهم ملف فى المرحلة الراهنة وهو المياه والري، وهو ما يتطلب العمل على لم الشمل المصري والبعد عن التجاذبات السياسية، والترفع عن الأنانية السياسية، والعمل الجاد على استعادة مصر لهيبتها، خاصة أن تحويل مجرى النيل الأزرق دون اطلاع مصر مسبقاً يعتبر في أعراف الدول عملاً عدوانياً لا يمكن تبريره، معربا عن اعتقاده بأن مصر فى حاجة الى «هدنة» داخلية، وأخرى عربية، حتى تتفرغ لمواجهة جميع هذه الاخطار المحدقة بها.
خطوات مطلوبةويطرح اللواء عبدالحليم مجموعة من الخطوات التي يجب اتباعها في معالجة أزمة سد النهضة :
- عدم الاستغراق في الثوابت (التاريخ وغيره) أو أي بيانات مكررة، على أن تكون نقطة البدء الحقيقية هي المسح الشامل للموقف الحالي. فإذا تعاملنا مع الموقف الحالي بأدوات الماضي، فلن يؤدي ذلك إلى النتائج المرجوة. ولكن إذا فكرنا في العمل بتوقعات المستقبل، فهذا يتطلب حسابات آنية يجب حسابها حساباً دقيقاً، وتأثير كل ذلك في مختلف جوانب الأمن القومي.
- لابد من إدراك تأثير العنصرين الدولي والإقليمي، لأن منطقة النيل لها علاقة بمنطقتين أخريين مرتبطتين بالصراع على هذه العملية، هما منطقة البحر الأحمر، ودول الخليج. فمنطقة البحر الأحمر تعد بمثابة مجال للضغوط المختلفة من دول المنطقة، للتأثير في دول الحوض في قضايا محددة، منها مياه النيل. والخليج أيضاً له تأثيراته في البحر الأحمر، وجزء كبير من السياسات الإفريقية.
- القيام بمسح كامل للموقف الحالي، وكل أدوات القوة السياسية التي يمكن استخدامها.
- لابد من إدراك أن قوة الدولة الداخلية هي الركيزة الأساسية لقوتها الخارجية، وأن الاقتصاد هو البناء الاستراتيجي للقوة، وكل هذا يؤثر في قدرة الدولة على التأثير خارجيا.
بين الداخل والخارجوفي هذا السياق يرى الدكتور أيمن عبدالوهاب الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن الخيارات المطلوبة لحل الأزمة تتم وفقا لخيارات مرتبطة بالداخل, فلابد من إعادة النظر في الهيكل الحالي من حيث صنع القرار، والمؤسسات المختصة بملف المياه، وطبيعة التنسيق بينها، وتعميق وتزكية حجم المعلومات المتداولة، ودخول أطراف جديدة، مثل المجتمع المدني والقطاع الخاص، في الملف.
وأن يرأس اللجنة العليا للمياه فى مصر رئيس الدولة وليس رئيس مجلس الوزراء، وأن يكون هناك مجلس قومي للمياه، يضم القطاع الخاص، والمجتمع المدني، وممثلين عن الجهات المعنية بالملف، بحيث يعمل الجميع على أرضية واحدة، فيما يتعلق بالتوجهات الاستراتيجية والمعلومات المطلوبة، وتحديد الأدوار والمسئوليات، والبعد عن السياسات العشوائية.
وبشأن خيارات المستوي الخارجي, فيرى ضرورة عدم اختزال قضية مياه النيل والتعاون المائي في قضية سد النهضة، وإنما لابد من تأكيد أن التعامل مع قضية السد يكون باعتبارها جزءاً من الكل. فعلى الرغم من التهديد الذي يمثله السد لمسار التعاون، فلابد من الانطلاق من مساحة أرحب، وهي أن القضية تتعلق بمستقبل التعاون المائي بين دول الحوض ككل، وتأكيد فكرة التعاون، والربط بين قضايا الأمن المائي والغذائي والإنساني، لأن هذه الرسالة الرابطة يفهمها الغرب والجهات المانحة جيداً. وبصيغة أخرى، إضفاء رسالة أخلاقية على الخطاب والتحرك المصري في المرحلة القادمة.
ويضيف : بداية التحرك الدبلوماسي تجاه الجهات المانحة والممولة للسد، بالتوازي مع الدور الإعلامي ومنظمات المجتمع المدني -وهي أدوات قابلة للتحرك الآني- في اتجاه جمع أوراق ضاغطة.
والتعامل مع القضايا الداخلية لدول الحوض من خلال مجلس الأمن والسلم الإفريقي، والتركيز الإعلامي على الدور المصري في هذا السياق. والتحرك هنا يكون من خلال تعاون متكامل مع دول الحوض، عن طريق مشروعات تتكامل فيها المياه والطاقة، والآخر: التعامل مع كل دولة على حدة.
وبناء شراكة حقيقية بين القطاع الحكومي، والمجتمع المدني، والقطاع الخاص، من خلال إنشاء وكالة مصرية لتنمية حوض النيل، لتكون بمثابة أداة داعمة للتوجهات المصرية الجديدة، والداعية للربط بين الدبلوماسية والتنمية.
ويقول: إن فكرة الصفقة الكاملة، من خلال المشروعات، هي الحل الأساسي للقضية، وذلك على مستويين، المستوى الأول مع دول الحوض، والمستوى الآخر مع الولايات المتحدة، وعدد من القوى الفاعلة في المنطقة لتعزيز فكرة الاستقرار، من خلال حوار استراتيجي مصري مع هذه القوى.
حسن النوايا بدوره يلفت الدكتور أحمد السيد النجار الخبير الاقتصادى الى أنه من الضرورى العمل على إظهار حسن النية من جميع الأطراف، والبعد عن التلويح بالخيارات العسكرية، والتفاوض بشكل منطقى مع السلطات الإثيوبية ودول حوض النيل، ومن الأهمية بمكان استثمار هذه الفرصة لتوقيع اتفاقية جديدة مع أثيوبيا - تحت إشراف الأمم المتحدة ترتكز على قواعد الحقوق التاريخية لكل من مصر والسودان، في كل قطرة مياه تصل لكل منهما من المياه الإثيوبية، نظرًا لترتب حياة البشر والثروة الحيوانية والنباتية عليها، على أن تقر فيها أثيوبيا صراحة بحصتي مصر والسودان من مياه النيل، مقابل الموافقة على إنشاء السد، وتنظيم عملية ملء الخزان بصورة تقلل الأضرار على مصر والسودان، خلال فترة الملء التي ينبغي أن تكون 15 سنة على الأقل وتشارك مصر والسودان في الإشراف على ملء الخزان، كما أنه في السنوات التي ينخفض فيها إيراد النيل عن المتوسط (84 مليار متر مكعب عند أسوان) تتوقف عملية ملء الخزان بصورة مؤقتة.
سيناريوهات مقترحة أما الدكتور السيد فليفل الأستاذ بمعهد البحوث والدراسات الإفريقية، فيطرح عددا من السيناريوهات المقترحة والمباشرة، وتتمثل في الدخول كشريك في مشروع سد النهضة -علما بأن إثيوبيا لديها أزمة مالية فيما يتعلق بتمويل السد- وهو حل موجود في التاريخ القديم.
وتأكيد آثار ومخاطر بناء السد، ليس على مستوى التأثير في حصة مصر فقط، ولكن في امتداد آثاره إلى البيئة، وعلاقة ذلك بطبيعة التربة الإثيوبية، وقدرتها على الاحتفاظ بالمياه تحت ضغط كبير. ومن ثم، فإن احتمال انهيار السد جائز، مثل عدد من السدود القديمة، وبالتالي لا بد من تجسيد هذا الخطر أمام المفاوض الإثيوبي، والمواطن المصري، حتى يستجيب لمسألة الترشيد.
والمحافظة على المشروعات الكهربية التي تطرحها ألمانيا والاتحاد الأوروبي. وفي هذه الحالة، سيكون هناك فائض كهرباء في إثيوبيا، مع العلم بأن مصر أكبر مستهلك للطاقة مستهدف من السد. وفي هذه الحالة، ستكون إثيوبيا مضطرة للتفاوض.
ونوه د. محمد سلمان، أستاذ العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، إلى أن المشكلة بالأساس هي أن مدرسة الري المصرية عكفت على التعامل مع القضية من منطلق فني هندسي، والبعد عن تسييس القضية، على الرغم من أنها سياسية في المقام الأول، واصفا المشكلة بأنها سياسة ثم اقتصاد. وفي هذا الصدد، يؤكد ضرورة أن يتم التحرك وفق عدد من المداخل الاقتصادية، والاستراتيجية، والقانونية، والثقافية، والإدارية، والأهم من ذلك كله المدخل السياسي الذي يتطلب عددا من الخطوات، تتلخص في فهم الواقع الإقليمي والدولي، الذي كان غائبا، وذلك بالاعتماد على نخبة من الخبراء والمتخصصين، إلى جانب السياسيين في إطار عمل تشاركي.
وقال الدكتور محمد السعيد الخبير السياسي بمركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية: إن الدعوة إلى اللجوء للحل العسكري تجاه أثيوبيا لهدم سد النهضة «كلام فارغ» يعقد الأزمة، ويحملنا أكثر مما لا نطيق، ويفتح النار على مصر.