الانهيار الذي شهدته السوق الأمريكية خلال العامين 2007 و 2008 عزز من الهيمنة العالمية للدولار
محررو بلومبيرج 2014/01/27 - 03:00:00
مرت بلدان الأسواق الناشئة بأسبوع عنيف وشرس. لعدة سنوات، أثناء الأزمة المالية وما بعدها، كان أداؤها جيداً في الوقت الذي تراجعت فيه اقتصاديات البلدان المتقدمة. لكن في الفترة الأخيرة لم تكن الحال كذلك. كثير من البلدان النامية تشهد عملاتها وهي تتراجع وتتعرض سنداتها وأسهمها لضربات متلاحقة. تماماً في الوقت الذي كان يبدو فيه أن الانتعاش العالمي أخذ يشتد ساعده، نشأ مصدر جديد من عدم الاستقرار.
الموضوع الآن هو كيف نبقي الجَيَشان بعيداً عن التسبب في انحراف مسار التوسع في الاقتصاد العالمي. من ناحية، نستطيع القول: إن ما حدث من تطورات لم يكن مفاجئاً: فالركود في البلدان المتقدمة دفع بالبنوك المركزية فيها إلى تخفيض أسعار الفائدة قصيرة الأجل إلى مستوى الصفر، وجعلها تدخل في برنامج يقوم على شراء الأصول لدفع أسعار الفائدة طويلة الأجل إلى الأدنى كذلك. تدفق رأس المال إلى البلدان النامية بحثاً عن عوائد أفضل. وفي الوقت الذي يستعد فيه المستثمرون لاستئناف السياسة النقدية الطبيعية، فمن المؤكد أن الطلب على أصول الأسواق الناشئة سيتراجع. كان السؤال دائماً هو ما إذا كان هذا التعديل سيكون سلساً أم يأتي بصورة مفاجئة وقوية؟
المشكلة هنا هي أنه يوجد أمران يضخمان التعديل في حركة وتدفقات رأس المال. الأول هو اعتماد أسواق المال العالمية على الدولار، وبالتالي على سياسات الاحتياطي الفدرالي الأمريكي. والثاني هو أخطاء السياسة الاقتصادية والنقدية التي ارتكبتها بعض البلدان النامية التي تتركز عليها معظم الأعين. على الأمد القصير، لا يوجد شيء يذكر تستطيع هذه البلدان عمله بخصوص هيمنة الدولار التي تؤدي إلى زعزعة الاستقرار في عملاتها. لكن الإصلاحات الاقتصادية في عدد من بلدان الأسواق الناشئة الرئيسية، والتي هي مرغوبة بحد ذاتها، ستساعد في تهدئة الأعصاب.
هناك عنصر من المفارقة في ذلك. فالانهيار الذي شهدته السوق الأمريكية خلال العامين 2007 و 2008 عزز من الهيمنة العالمية للدولار. فقد كان المستثمرون يسعون للاستثمارات الآمنة، وتظل سندات الحكومة الأمريكية من أكثر الأصول أمناً في العالم. ورغم الاقتراض الهائل الذي قامت به الحكومة الفدرالية، إلا أن السندات الأمريكية خلال فترة قصيرة لم تعد متوافرة كما كانت. فقد عمل برنانج التسهيل الكمي الذي اتبعه الاحتياطي الفدرالي على سحب تريليونات الدولارات من السوق، واشترت حكومات الأسواق الناشئة الدولار ليكون وقاية ضد الأنباء السيئة ومن أجل دفع عملاتها (وأسعار التصدير من شركاتها) إلى الأدنى.
نتيجة لذلك أصبحت الأسواق الناشئة حساسة فوق العادة للتقلبات – الحقيقية أو الوهمية – في السياسة النقدية الأمريكية. في الفترة الأخيرة بدأ الاحتياطي الفدرالي يخفف من مشترياته من الأصول، وهو ما كان علامة على أن عهد السياسة النقدية المفرطة في التساهل في الولايات المتحدة قد شارف على الانتهاء. وهذا يجعل المستثمرين يفكرون مرتين قبل وضع أموالهم في البلدان النامية.
بدأ الاحتياطي الفدرالي الأمريكي بالانسحاب التدريجي من سياسة التسهيل الكمي قبل الأوان – إذ ما يزال التضخم في الولايات المتحدة منخفضاً، كما أن سوق العمل ما تزال ضعيفة. من جانب آخر، يعتبر معدل التراجع في مشتريات الأصول ليناً (حتى إن البعض يقول: إن معدل التراجع هو لين فوق العادة)، وعند مرحلة معينة سيكون من الضروري أن يقوم البنك المركزي الأمريكي بتفكيك عملية شراء الأصول والإجراءات غير التقليدية التي اتبعها لتحفيز الاقتصاد.
إن العلاج للحساسية العالمية الفائقة تجاه السياسة النقدية الأمريكية لن يكون عن طريق قيام الاحتياطي الفدرالي باتباع منهج مختلف، وإنما سيكون من خلال اقتسام الأعباء. في النهاية، تحتاج عملات أخرى، مثل اليورو والرنمينبي الصيني، لتكون بمثابة عملات احتياطية إلى جانب الدولار. في هذه الأثناء، فإن وجود سياسة أفضل في المالية العامة الأمريكية، مثل التراجع عن تقليص الميزانية الآن، في الوقت الذي يحتاج فيه الاقتصاد إلى التحفيز، والمزيد فيما بعد، سوف يعمل كذلك على تخفيف العبء عن الاحتياطي الفدرالي.
هناك أيضاً أمور أخرى تستطيع حكومات بلدان الأسواق الناشئة أن تقوم بها. يجدر بها أن تدرك أنها هي الملومة، بدرجات مختلفة، بشأن الجَيَشان الذي شهدَتْه الأسواق المالية هذا الأسبوع. تعتبر الأرجنتين حالة واضحة للغاية في سوء الإدارة الاقتصادية، حيث شعرت بالقوة الشديدة للعاصفة المتمثلة في انهيار أسعار السندات والأسهم والانخفاض الحاد في سعر البيزو. لم يكن هناك خطأ إلا وارتكبته الإدارة – بما في ذلك التلاعب في القيود والتقارير حول المعدل الحقيقي للتضخم.
هناك أيضاً أنباء تثير قلق المستثمرين في أسواق ناشئة أخرى وأكثر أهمية. منذ سنوات ونحن نتوقع أن يتباطأ النمو في الصين. ويبدو أن هذا التباطؤ قد بدأ يحدث الآن، وهناك شك في قدرة الحكومة على إدارة عملية إعادة الهيكلة الاقتصادية الضرورية. وتعتبر ثاني أسوأ عملة في العالم من حيث الأداء الآن هي الليرة التركية: بسبب الاحتجاجات السياسية، وفضائح الفساد، والإدارة المتخبطة، هناك شكوك تحيط الآن بالآفاق الاقتصادية للبلاد ومكانتها في أوروبا. وروسيا تتعثر الآن. وكذلك البرازيل.
سيكون لدينا أمور أخرى لنقولها حول هذه الاقتصادات الناشئة في الأيام المقبلة حين ننظر إلى نقاط الإجهاد في عالم ما بعد التيسير الكمي. بالنسبة للوقت الحاضر يكفي أن نقول: إن أفضل طريق أمام حكومات بلدان الأسواق الناشئة لاستعادة الثقة بها هو تحسين سياساتها الاقتصادية. صحيح أنه في الجَيَشان المالي الذي شهدناه هذه الأسبوع كانت هناك عوامل مؤثرة في الأحداث لم تكن واقعة تحت سيطرة هذه البلدان، لكنها ليست متفرجاً بريئاً، وليست هي بلا حول ولا قوة.