الإنسان كائن عاقل ومختار والسلوك الصادر عنه ينبع من الشعور
الواعي والتفكير المسبق عادة، لذلك يحاول أن يتكيف مع المتغيرات
بإحساسه العقلاني وليس مجرد تكيف غريزي وانعكاس جبلّي
كما هو في الحيوانات، فهو يختار ويقرر بنفسه ما يريد،
لذلك تختلف استجابة كل إنسان عن الإنسان الآخر تجاه الظروف
التي تواجهه على عكس الحيوان الذي تكون استجابته غريزية متشابهة.
ومن ثم فإن الإرادة الإنسانية تلعب الدور الأساسي في صنع المتغيرات
وفي احتوائها لصالحه، ولذلك فإن الإنسان قادر بطبيعته الحرة على الاستجابة
المرنة لمختلف التأثيرات وتجديد وابتكار أساليبه الخاصة حسب الظروف
التي يمر بها، أي إن «التكيف التجديدي المقرون بخاصية التثقف يعكس المرونة
التي تتسم بها وسائل التكيف الخاصة بالإنسان»
وهذا الأمر هو أحد عوامل نشوء ثقافات إنسانية
متعددة وحضارات تاريخية متنوعة.
وكذلك فإن السمة الإنسانية المميزة والمنبعثة من عقله هو البحث
عن الكمال والتغير نحو الأحسن فتبعثه على السعي المستمر
والحركة الدائبة ولعل في الآية القرآنية:
(يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه)
تعبير عن هذا المعنى، فالحركة تعني التغيير وفي الإنسان فإن التغيير
يعني في الغالب التصاعد والارتقاء نحو مرتبة أعلى. والذي يغذي
هذا الميل الإنساني نحو الارتقاء نحو مرتبة أعلى. والذي يغذي
هذا الميل الإنساني نحو الارتقاء والتصاعد هو طبيعة التعلم البشرية
التي تجعل من الإنسان كائناً لا يتوقف عن اكتساب المعرفة
والعلم فمهما توصل إلى معارف فإنه يبحث عن الأفضل باستمرار،
فطبيعة المعرفة البشرية هذه هي عملية تغيير تنشد إلى التكامل،
بالإضافة إلى ما قد تصنعه هذه المعارف المكتسبة من تأثيرات في إيجاد أجواء
جديدة تحفز على التفاعل والتلاقح بين القديم والجديد
من جهة وبين الثقافات الإنسانية المختلفة من جهة أخرى.
ونعرف من كل هذا أن الإنسان بطبيعته الفطرية
والتكوينية كائن متحرك بإرادة حرة يسعى بقوة للكمال والتكامل،
وهو يعيش حياة تصاعدية ومتعددة مبنية على التنافس الفعال من أجل سبق
الآخرين والتفوّق عليهم، وكل هذا يعني أن روح التغيير موجودة
في أعماق التشكل البشري وأنه سنة تاريخية واجتماعية
لا يمكن إلغاؤها فالتغيير يعني الحياة والتطور كماء النهر الجاري
والجمود والركود يعني الموت والتخلف كالمستنقعات
الراكدة فإنها لا تحمل معها إلاّ الفساد والمرض