الربيع ... الخريف

"الربيع ... الخريف"



لأنه كان يراها بعمر الزهور ، وهو في خريف عمره ، نصائحه كانت لها مغزى كبير على حياتها البسيطة ،

ومشاعرها الرقيقه ، كان يحس بها ويراقب تحركاتها الرصينه وحديثها الشيق حين الكلام ،

وقربها منه من خلال علاقته بأسرتها كجار لهم في نفس الحاره التي يقطنون فيها ..

أسمه ( أحمد ) ورغم كونه لم يتزوج وكانت حياته مجرد ورشة عمل متنقله بين دول العالم المختلفة ،

ورغم الحاح الاهل عليه بالزيجة الصالحة ، إلا أنه كان يرفض الامر لأسباب خاصة به ..

كانت بعيونه كالعصفورة الصغيرة ، تكبر شيئا فشيئا كلما سافر في رحلة عمله او مشواره ،

رغم أنه تعلق بها تعلقا شديداً ويكُن لها حباً جماً .. كان يبدلها حين تواجده بين الاهل وعند زياراته الى والديها ،

بعلاقة الصديق والانسان النصوح كالاخ الاكبر .. وكانت عاطفته تجاهها كعاطفة الابوة حين يراها او يتحدث اليها ،

لأنها كانت جميلة بأخلاقها وحسُن طباعها وطريقة حديثها ،

وأسلوب تعاملها مع الامور المختلفة وخاصة الاسرية والاجتماعية ،

هي كانت بعمر يقل عن عمره بعشرين سنة ، وهذا ما جعله يتلكأ في البوح بمشاعره تجاهها ،

وان يعبر بما يشعر به من مشاعر واحاسيس كانت تتلاعب بكل كيانه ،

ليس من ناحية ضعف الشخصية بل من ناحية احترام فارق العمر الفاصل بينهما ..

ليأخذ خطوة جريئة بمصارحتها حين كان متواجداً بين الاهل ، ويبوح بمشاعره تجاهها دون اي خوف او تردد ..

قال لها عزيزتي الصغيرة ( سماء ) أعلم وكما تعلمين انتِ بعمر الربيع ..

وأنا بعمر الخريف فأني ارى ان علاقتي بكِ كانت علاقة صديق يكبرك بسنوات كثيرة ،

وهذا ما جعلني اتردد ببالوح بما اشعر به ، رغم علمي بمشاعركِ التي اراها بعيوني ،

وتصرفاتكِ التي تنم عن انسانه عشقتني بكل معاني الغرام ،

فأني أرى من غير الملائم ان أقطف زهرة صغيرة يانعة بأوراقها وعطرها الفواح وان استنشق رحيقها ..

وكذلك لا يحق لي ان اعيش في ربيعكِ وأنا أوراقي تتهاوى على الارض ورقه تلو ورقة ،

وأرجو ان تتفهمي الأمر وأن تبحثي عن فتى يكون في مقتبل عمرك يناسبك من حيث العمر ،

ومن ناحية التفكير المتقارب بينكما أيتها العصفورة الصغيرة ..

إلا أنها رأت الأمر بزاوية أخرى ، كأنه يتهرب منها ، لتأخذ موقفا متشددا منه ،

وأن تخاصمه وتغضب بما باح به لها ، ورغم أنها رأت بعينيه الحب ،

الذي كانت تبحث عنه منذ طفولتها والذي دق باب قلبها ، وأستحوذ على كل مشاعرها وأحاسيسها ،

لتتركه لفترة من الزمن ، إلا أن الاتصال بينهما كان متواصل ولكن بصورة متقطعة ..

الى أن تقدم اليها شاب صغير مقارب لعمرها الصغير ، من بلدة مقاربة لبلدتها ،

وهذا الفتى كان قد رآها عدة مرات ، حينما كان يزور أقربائه الذين يسكنون في نفس بلدة ( سماء ) ..

وبعدما تعرف عليها وتحدث معها وتبادلا الحديث والاراء وما يفكر به كل منهما ،

تبين ان الافكار كانت شبه متطابقة ومتقاربة بينهما ، ليتقدم اليها ويطلب يديها من الاهل ،

وهي توافق على الامر رغبة منها رغم ان قلبها يسكن في وادي آخر ،

أتصلت سماء بمن كانت تحبه ، لتخبره بأنها سوف تتزوج من فتى بعمرها ، وأنها خائفة بعض الشئ من الامر ..

إلا أن احمد رد عليها ليبدد كل مخاوفها وان يبوح لها بآخر كلماته معها حين قال لها ،

أنا أهنئكِ يا زهرة الربيع اليانعة ، واتمنى لكِ زيجة صالحة أن تحترمي الفتى الذي سوف يرتبط بكِ ،

رغم الحزن الذي أسرني من هذا الخبر ، إلا أني مسرور لكِ وارى ان الزهور يجب ان تعيش في فصلها ،

وانت زهرة الربيع فلا تستطيعي العيش في فصل الخريف ، وأن قاومتي فأوراقكِ تتهاوى بسرعة كبيرة ..

أتمنى أن تبقي مع الربيع القادم لكِ وان تعيشي حياتكِ في ربوعه المخضرة ..