عمر كوش 2014/05/02 - 03:07:00
يبدو أن نظام بشار الأسد، في سوريا، عازم على المضي في استكمال مهزلة الانتخابات الرئاسية القادمة، بالرغم من أن الحرب الشاملة، المستمرة منذ أكثر من ثلاث سنوات، التي يشنها ضد غالبية السوريين، أسفرت إلى الآن عن تشريد ما يقارب نصف سكان سوريا من أماكن سكنهم، ما بين نارح ولاجئ، وعن قتل أكثر من 200 ألف سوري، إلى جانب مئات ألوف المعوقين والمشوهين والجرحى، فضلاً عن دمار أحياء المدن والبلدات والقرى، الذي يذكر بالمآسي الإغريقية القديمة.
ولم يكترث هذا النظام الفاشي بالمناشدات والتحذيرات الدولية من استكمال مهزلة الانتخابات الرئاسية، التي تعني إغلاق أبواب الحل السياسي، بل أعلن رئيس ما يسمى «مجلس الشعب السوري»، ويسميه السوريون «مجلس الدمى»، أو «مجلس التصفيق»، أن الانتخابات الرئاسية ستجرى في الثالث من حزيران/يونيو المقبل.
وتزامن الاعلان مع استمرار طائرات النظام بدكّ ما تبقى من مدينة حمص القديمة، بالبراميل المتفجرة، فيما تنهال الصواريخ وقذائف الدبابات والراجمات على مناطق عديدة من البلاد.
وكل هذا القتل والدمار، لم يمنع أبواق النظام من الحديث عن انتخابات رئاسية ديموقراطية! ذلك أن ديمقراطية النظام الأسدي، لا تستقيم إلا عبر إرسال المعارضين له إلى المقابر، عبر توابيت الموت، التي يريد تفصيلها، كي تتحول إلى صناديق اقتراع، ومن لا يدلِ بصوته للأسد، فآلة الموت الأسدية كفيلة بإرساله إلى التراب.
وسبق للمجلس المذكور أن أقرّ في 14 آذار/مارس، بنود قانون انتخابات رئاسية، فُصل حسب مواصفات رئيس النظام وأزلامه، حيث أغلق الباب، عملياً، على احتمال ترشح أي من المعارضين السياسيين، وخاصة الذين أجبرهم عنف النظام وقمعه على الإقامة خارج وطنهم، إذ يشترط أن يكون المرشح إلى الانتخابات قد أقام في سوريا بشكل متواصل خلال الأعوام العشرة الماضية.
وتشير الوقائع على الأرض، أن مهزلة الانتخابات الرئاسية لن تجرى إلا على جزء محدود من سوريا، ذلك أن النظام لا يحكم عملياً إلا على أقل من نصف المناطق والبلدات، فيما تسيطر قوات حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (PYD) على مناطق واسعة في الشمال الشرقي من سوريا، وتخضعها لإدارة ذاتية، بعد أن قسمتها إلى ثلاث مقاطعات، فيما تسيطر «دولة العراق والشام» (داعش) على مدينة الرقة ومناطق في الشرق والشمال. وهناك مناطق كثيرة في الجنوب وفي الشمال والوسط، تسيطر عليها الفصائل الإسلامية، فضلاً عن المناطق التي يتواجد فيها الجيش السوري الحر، الذي يعترف بالحكومة السورية المؤقتة التي شكلها الائتلاف الوطني السوري.
ويعكس هذا الواقع الميداني أن مهزلة الانتخابات ستنحصر في دائرة ضيقة من الأرض السورية، حيث ستكون شكلية ومقتصرة على بعض مناطق العاصمة دمشق، والساحل السوري بشكل أساسي.
ويبدو أن النظام الأسدي، الفاقد الشرعية، يريد أن يوهم العالم أنه بصدد تجديد شرعيته الداخلية، وأنه ليس قوة احتلال، بالرغم من كل المجازر والجرائم التي ارتكبها – ولايزال - بحق غالبية السوريين، والدمار الذي أصاب مدنهم وبلداتهم وقراهم، وليس على المجتمع الدولي سوى أن يصدّق هذه الصفاقة، التي تنطلق من الحرص على استمرارية شرعية الاسد، ولو عبر مهزلة انتخابات رئاسية، توفر حجة قانونية وسياسية لحلفائه الروس وأضرابهم للاستمرار في الدفاع عنه أمام المحافل الدولية. مع أن الساسة الروس يدركون جيداً، أن الانتخابات لا يمكن أن تجري، بينما نصف الشعب السوري أجبر على ترك مناطق سكنه وعيشه ورزقه، وبات أكثر من خمسة ملايين منهم خارج سوريا، منهم ثلاثة ملايين لاجئ، فيما نزح أكثر من ستة ملايين إلى مناطق أخرى في سوريا، هرباً من القتل بالبراميل المتفجرة وسواها من أسلحة قوات الأسد، ومع ذلك يحاول ميخائيل بوغدانوف، نائب وزير الخارجية الروسي، التخفيف من تأثير مهزلة الانتخابات الرئاسية، بالقول: إنها «لن تؤدي إلى طي صفحة البحث عن حل سياسي، لأنها لن تغير شيئاً، كونها قد تجري على جزء من الاراضي السورية، الخاضع لسلطة الحكومة، ولن تشمل المناطق خارجها أو اللاجئين، كما أن المعارضة لن تعترف بها».
أن المواقف الغربية، تعطي وجاهة ومعقولية للرأي القائل، إن ساسة الغرب، لا يرغبون في رحيل الأسد، كونهم مستفيدين من بقاء الوضع على حاله من المدّ والجزر، ما بين قوات النظام وحزب الله والميلشيات الإيرانية والعراقية، وبين الفصائل الإسلامية المتشددة
غير أن ما أخفاه المسؤول الروسي، هو أن مهزلة الانتخابات الرئاسية المقبلة، تهدف – أيضاً- إلى تدمير مؤتمر جنيف نهائياً، وإسقاط أي بادرة الى عملية الانتقال السياسي، التي نص عليها بيانه الاول، من خلال تشكيل هيئة الحكم الانتقالي، وأن النظام الأسدي يحاول استغلال الانشغالات الدولية، لا سيما أزمة أوكرانيا، التي صرفت النظر عن موضوع الازمة السورية. لكن النظام يعلم جيداً، أن الولايات المتحدة الأميركية ومعها حلفاؤها الغربيون، لا يريدون منعه من إعادة إنتاج نفسه، عبر مهزلة الانتخابات، وذلك في ضوء السقف السياسي الذي رسمه الرئيس الاميركي، باراك أوباما، وكرره في أكثر من مناسبة، الأشهر الأخيرة حول عدم نيته التدخل في سوريا، لذا لم يجد المسؤولون الأميركيون سوى التعليق على نية الأسد خوض الانتخابات بأنه موقف «مثير للاشمئزاز»، ما يعني أنه مجرد تعليق، لا يعطل سير المهزلة، ولن ينتج أي رد فعل لإيقافها. كما أن الأوروبيين يفتقرون بدورهم لأي موقف مستقل، يمكنه التأثير عليها، الأمر الذي يناقض ما يقوله الساسة الغربيون عن أن استمرار وجود الأسد في السلطة «يغذي الإرهاب»، ولا يجدون أي حرج من مناقضة أنفسهم، حين اعتبروا أن الأسد فقد شرعيته، منذ ما يزيد على السنتين، في وقت استمروا فيه بالتعامل معه، خاصة بخصوص تجريده من السلاح الكيميائي، الذي استخدمه ضد المدنيين السوريين في مجزرة غوطتي دمشق وسواها، ولا يزال يستخدمه في مناطق أخرى، وبالتالي، سواء اعترف الغرب أم لم يعترف بشرعية إعادة انتخابه، فإن ذلك لن يؤخر أو يقدم شيئاً في مسار الحرب الشاملة التي يشنها النظام الأسدي ضد غالبية السوريين، منذ أكثر من ثلاث سنوات، خاصة وأن ساسة الغرب يتعاملون معه كأمر واقع لا بد منه، ولا يفعلون شيئاً حيال جرائمه المتكررة. وأقصى ما قامت به مجموعة الدول الإحدى عشرة مما يسمى «أصدقاء الشعب السوري»، هو تحذير النظام من إجراء انتخابات رئاسية، معتبرة أن نتيجتها لن تكون لها أي شرعية.
ويبدو أن المواقف الغربية، تعطي وجاهة ومعقولية للرأي القائل، إن ساسة الغرب، لا يرغبون في رحيل الأسد، كونهم مستفيدين من بقاء الوضع على حاله من المدّ والجزر، ما بين قوات النظام وحزب الله والميلشيات الإيرانية والعراقية، وبين الفصائل الإسلامية المتشددة، وينظرون إليه كساحة لتصفية الطرفين، واستنزاف لقواهم ولداعميهم، مع أن المسألة، تتعلق في جوهرها، في ثورة شعب، أراد التخلص من العبودية، ومن الظلم الذي لحق به منذ أكثر من أربعة قرون، إلا أن النظام وحلفاءه الإيرانيين والروس، وتخاذل دول الغرب عن دعم الشعب السوري، ودخول أطراف تحمل أجندات خارجة عن مطالب وطموحات الشعب السوري، حول سوريا إلى ساحة حرب وصراع، إقليمي ودولي.
وإن كان ثمة ضربة وجهها النظام في استمراره بإخراج فصول مهزلة الانتخابات الرئاسية، فهي موجهة للساسة الغربيين، فضلاً عن كونها موجهة للعرب، ولغالبية السوريين وللمعارضة السياسية.
وتتحمل دول منظومة «أصدقاء الشعب السوري»، جزءاً من المسؤولية، لأنها قدمت وعوداً عديدة للمعارضة السياسية السورية، لكن معظمها لم يف بأي منها، وتركت غالبية السوريين تواجه آلة قتل النظام الأسدي وحدها، فيما يعتمد النظام على حلفاء أقوياء، خاضوا معركة الدفاع عنه، على كافة المستويات، العسكرية والسياسية والمالية، ولا يزالون يقدمون الضحايا، ويتحملون الخسائر مالياً وبشرياً. وبالتالي، ليس غريباً أن يعلن وزير الخارجية الإيراني، الداعم الأكبر للنظام السوري، أن الأسد الابن سيشارك في الانتخابات الرئاسية المقبلة في سوريا المقررة العام 2014، فيما اكتفى الساسة الغربيون بتصريحات لا تقدم ولا تؤخر أي شيء في مسار إنتاج مهزلة الانتخابات الرئاسية المقبلة.