مفكر مصري لـ : 30 يونيو حركة شعبية غير مسبوقة في التاريخ

سيد ياسين يؤكد أن مصر لا تزال تعيش مرحلة التحول الديمقراطي

حوار: العارف بالله طلعت- القاهرة 2014/05/23 - 03:08:00               

قال المفكر السياسي المصري السيد ياسين مستشار مركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية: إن قراءة المستقبل تستلزم معرفة ما حدث في 30 يونيو فهو عبارة عن حركة شعبية غير مسبوقة في التاريخ، حيث خرج ما لا يقل عن 25 مليون مواطن من أبناء هذا الشعب لإسقاط نظام حكم استبدادي، وهذا الحكم يستند إلى سياسة الشرعية مع أن هذا التفسير في إسناده للشرعية تفسير زائف؛ لأنه في أعرق الديمقراطيات لا تعني الشرعية أن يغير الرئيس المنتخب طبيعة الدولة أو يمارس الاستبداد. وأشار إلى أن الرأي العام العالمي منافق، فلا يوجد شخص ممكن أن يحتل ميدانًا عامًا ويجلس فيه ويعتصم أو ينصب خيامًا في أي دولة غربية، هناك فقط مظاهرات محدودة وسلمية وتتم بإذن مسبق وهذا ما نحاول أن نفعله الآن، وفي إطار هذا الموضوع كان لنا الحوار التالي:
المطلوب من الرئيس
 في البداية سألناه...ما المطلوب من السيسي حال فوزه بانتخابات الرئاسة؟
أن يدعو إلى مؤتمر حقيقي ضخم لوضع رؤية استراتيجية للبلاد يجمع فيه مصر المبدعة من خبراء وعلماء ومتخصصين لوضع رؤية استراتيجية لمصر للثلاثين عاماً القادمة، تشمل سياسة واضحة للنظام الاقتصادي والثقافي والاجتماعي للسياسة الخارجية التي يجب ألا تتغير بتغير الرؤساء أو المسؤولين.. هذا أولاً، أما الأمر الثاني الذى يجب أن يفعله الرئيس فور وصوله للحكم فهو أن يضع المصريين في الصورة الحقيقية لمصر ووضعها الراهن، مستخدماً المؤشرات الكمية والكيفية، نريد أن نعلم حجم البطالة الحقيقي في مصر، مقدار العجز الفعلي في الموازنة العامة، فالاقتصاد لا أحد يناقشنا فيه كما ينبغي ولا أحد يقول لنا ما حدود تدخل الدولة في ضبط السوق، ففي أعتى الاقتصادات الليبرالية في العالم نجد الدولة تتدخل وقت الأزمات لضبط السوق وإعادة توازنه، لذا نريد من برنامج الرئيس أن يقول لنا ما دور الدولة في رسم السياسات الاقتصادية العامة وتحديد خريطة استثمارية وعمرانية للبلاد، ووضع حزم تشجيعية للاستثمار وتحسين البيئة القانونية التي تهدف إلى سرعة إنهاء المنازعات والنظر في التشريعات المعرقلة له، كما يجب أن يتحدث معنا الرئيس بشفافية عن المؤشرات الكيفية التي تجيب عن سبب تدني مستوى التعليم وانهيار مستوى التدريب بين القوى البشرية، ثم مطلوب منه أن يقدم أضواء كاشفة على كيفية مواجهة هذه الأوضاع، وأن يكون لديه تشخيص جيد لمشاكل مصر وتكون لديه رؤية أو استراتيجية ويعتمد على أهل الكفاءة والخبرة.

البطالة المرتفعة
 ماذا تقول عن غياب الشفافية وحرية تداول المعلومات؟
 لم نؤسس في مصر حتى الآن لمجتمع المعلومات العالمي؛ بسبب غياب الشفافية وحرية تداول المعلومات، ومصر لا تزال تعيش مرحلة التحول الديمقراطي الذي يتم بخطوات متدرجة، ولكن المجتمع نفسه تحول إلى ما يسمى مجتمع المخاطر؛ بسبب الفجوة الطبقية الكبيرة بين قلة من الأغنياء وكثير من الفقراء، إلى جانب معدلات البطالة المرتفعة والإحساس بالاغتراب وعدم السيطرة على المصير.

حوار مجتمعي
 المشهد الحالي في مصر؟
نحن أمام إما المنتجعات أو العشوائيات، فالطبقة البرجوازية تسعى لإقامة أسوار حولها، بينما تنمو العشوائيات، وآليات تحول العالم من النظام العالمي إلى مجتمع عالمي جديد تشكل بسبب ثورة الاتصال الكبرى، وهناك خريطة معرفية للمجتمع العالمي الجديد ظهرت بعد الخلل الذي حدث في المفاهيم بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، وهناك حالة من الانفصام الثقافي الواضح من خلال نظرة دينية مغلقة تقابلها نظرة علمانية ليبرالية هشة، وبالتالي فهو يمر بتفكير خرافي على حساب التفكير العلمي، والوسيلة الوحيدة لمواجهة هذا الخطر تتم بصياغة رؤية استراتيجية خاصة بالمجتمع المصري والتي لا تتم إلا بوجود حوار مجتمعي.

الشارع المصري
 تعليقك على المدونات الإلكترونية التي شاعت في الفترة الاخيرة للتعبير عن الرأي؟
 أنها تدل على ضعف الثقافة السياسية، فهناك الكثير من المدونات بها خفة يجب أن نعترف بها، لأن هؤلاء المدونين لم يثقفوا سياسيا بشكل جيد، وبالتالي ليست لديهم القدرة على عرض وجهة نظرهم بشكل منهجي، وهناك حالة من عدم الفهم لسيكولوجية الشارع المصري وتراثه السياسي، ناتجة من عدم الاحتكاك والتي أفرزت حركات احتجاجية مثل شباب 6 إبريل التي توهمت انها تستطيع تحريك الشارع المصري وساندتها أيضا الأحزاب المفلسة.

مسألة خطيرة
 لماذا يطالب البعض بالمصالحة مع الإخوان؟
 الفساد والمحسوبية أمر بسيط لو وضعا في موضعهما الصحيح، أما بالنسبة للإخوان فكان مشروعهم أخطر وهو أخونة الدولة وأسلمة المجتمع، بمعنى آخر يهدف للسيطرة على مفاصل الدولة الرئيسية والنفاذ إلى كافة مؤسساتها والجماعة كان لديها خطة لتقويض القضاء وفصل 3 آلاف قاض، وتعيين 3 آلاف محام إخواني بدلاً منهم، كما كانت الجماعة تسعى للنفاذ إلى جهاز المخابرات والقوات المسلحة وهي مسألة خطيرة تهدف لفرض قيم الجماعة على الشعب المصري، وهي قيم مستمدة من قيم متطرفة وقراءات فاسدة، وأهمية المصالحة تتمثل في أن الموقف الآن متفجر وصراعي، ونحن نريد مواجهته بطرق فعالة وإيجابية، والآن هناك انشقاقات داخل الجماعة اعتراضاً على السياسات التحريضية على العنف من قبل القيادات، ونحن رأيناهم على شاشات التليفزيون يحرضون على العنف علناً، وهي جرائم يعاقب عليها القانون، لكن الأهم من ذلك أن الجماعة السياسية المصرية بشكل عام يجب أن تتوصل إلى توافق ومصالحة وطنية تمنع استمرار العنف، وهي مسألة مهمة والمصالحة الوطنية أمامها عقبات كثيرة، أولها التساؤل الهام حول ما إذا كان قادة الجماعة سيتخلون عن مواقفهم المتطرفة ويتفقون على حل وسط مع باقي الطوائف السياسية، وهل يمكن أن تتخلى الجماعة عن مشروعها للسيطرة على المجتمع والدولة؟، وهذه كلها أسئلة مطروحة، لكن الأهم هو أنه ليس لدى الجماعة السياسية التي قامت واحتشدت في الميادين لتعبر عن الشعب المصري إلا الإقصاء، فكيف يمكن أن نتعامل مع هذه الجماعة بدون ممارسة النقد الذاتي وبالتالي ممارسته أساس لسبيل المصالحة مع هذه الجماعة وإشراكهم في العملية الديمقراطية بدون تسلط وبدون استحواذ على السلطة السياسية.
لم نؤسس في مصر حتى الآن لمجتمع المعلومات العالمي بسبب غياب الشفافية وحرية تداول المعلومات، ومصر لا تزال تعيش مرحلة التحول الديمقراطي الذي يتم بخطوات متدرجة، ولكن المجتمع نفسه تحول إلى ما يسمى مجتمع المخاطر بسبب الفجوة الطبقية الكبيرة بين قلة من الأغنياء وكثير من الفقراء إلى جانب معدلات البطالة المرتفعة والإحساس بالاغتراب
شبكات معتدلة
 ما طبيعة العلاقة بين الإخوان وأمريكا؟
 منذ عام 2005 بدأت مجموعة بحوث أجرتها أكبر مؤسسة استراتيجية أمريكية وقامت بالأبحاث باحثة مشهورة تدعى «شيرلى بينار» وهي مقيمة في قطر الآن كمندوبة للمؤسسة، لكن «بينار» قامت بمجموعة بحوث عن كيفية إنشاء شبكات معتدلة من الإسلاميين، وقامت بعمل تصنيف للإسلاميين من مجموعة من الأصوليين وأخرى من المتطرفين وثالثة من المعتدلين، ورتبت كيفية دعم شبكات من الإسلاميين المعتدلين وبالتالى فـ«بينار» وزملاؤها هم من مهدوا الطريق أمام السياسة الخارجية الأمريكية لتعدل موقفها من الإخوان المسلمين على أساس أنهم لو تبنوا هذه المجموعة سيكون ذلك أفضل من أن تواجه أمريكا الإرهابيين بمفردها.

عصر المعلومات
 كيف ينظُـر للتحوّلات الثقافية الجارية في المنطقة؟
 اعتبر المثقف المصري في إجابته أن هناك تطوّراً حصَـل في غاية الأهمية، ويتمثّـل في دخول العالم العربي عصْـر مُـجتمع المعلومات لكنه يستدرِك قائلا: إن ذلك لا يعني أن العرب قد انخرطوا فِـعلا في الدورة العالمية وأصبحوا جزءًا من اقتصاد المعرفة، إذ لم يُـدرك الكثير منهم أنّ عصْـر المعلومات يقوم على أسُـس جوهرية ثلاثة، أولا: ضرورة تبنِّـي الديمقراطية بكلّ أبعادِها من حرية للتعبير والحقّ في التنظيم وتحقيق التّـداول السِّـلمي للسلطة.. ثانيا: الشفافية، ثالثا: حرية تداوُل المعلومات حيث يصبح من حقّ كل مُـواطن الحصول على المعلومات مجّـانا وفي أيّ وقت.

 ما رؤيتك للفترة القادمة؟
قراءة المستقبل تستلزم معرفة ما حدث في 30 يونيو، فهو عبارة عن حركة شعبية غير مسبوقة في التاريخ حيث خرج ما لا يقل عن 25 مليون مواطن من أبناء هذا الشعب لإسقاط نظام حكم استبدادي، وهذا الحكم يستند إلى سياسة الشرعية مع أن هذا التفسير في إسناده للشرعية تفسير زائف لأنه في أعرق الديمقراطيات لا تعني الشرعية أن يغير الرئيس المنتخب طبيعة الدولة أو يمارس الاستبداد، ويعتمد على ما يسمى بديمقراطية الأغلبية، فهناك عقد بين الرئيس وبين الجمهور والرئيس المعزول لم يحصل سوى على 50% وبضعة أصوات مقابل منافسه الفريق «شفيق»، وبالتالي هو لا يعبر عن الشعب المصرى بالكامل، وإنما هناك تقليد ديمقراطي عميق أن الرئيس الناجح يصرح بأنه يعبر عن مجموع المواطنين من انتخبوه ومن عارضوه، وهذا تقليد متعارف عليه، والدكتور مرسي نفسه صرح بذلك قبل أن ينجح في الانتخابات، وهو التصريح الشهير الذى قال فيه: «مشاركة لا مغالبة»، وقال أيضاً: «لو حكمنا سيكون هناك توافق سياسي ولن نقصي أحداً من دائرة صنع القرار»، والواقع أن العام الذي حكم فيه كان عاماً كارثياً؛ لأنه أثبت عجزه عن إدارة الدولة، فهو ليس رجل دولة كما أنه غلب مصلحة الجماعة على مصلحة الوطن وسياساته إزاء قدسية الحدود المصرية كانت سياسات معيبة، والحقيقة أنه تراخى في التعامل مع سيناء ومشاكلها، وما قيل عن تنازله عن بعض أجزاء من حلايب وشلاتين إلى آخره، أعتقد أنها مسائل مست الأمن القومي المصري في الصميم، وحركة «تمرد» التي قام بها مجموعة من الشباب الثائرين حركة لا مثيل لها؛ لأنها تجاوزت كل الأحزاب المعارضة وجبهة الإنقاذ، فالحركة تذكرنا بالتوكيلات التي أعطاها الشعب المصري في ثورة 1919 لزعماء الثورة، لكن فيما يبدو أنه في اللاشعور السياسي فكرة التوكيلات باقية، وأن المواطن لا يخشى شيئاً ويقوم بكتابة اسمه وتوقيع استمارة لسحب الثقة من الرئيس، لكن أن يخرج 25 مليوناً فهي فكرة لا مثيل لها، وبالتالي يمكن القول إن القوات المسلحة المصرية قد استجابت إلى إرادة شعبية غالبة تدعو إلى إسقاط هذا النظام، وبالتالي كل الأقاويل التي ترددت من الجماعة أو من الخارج بأنه انقلاب عسكري لا أساس لها من الصحة، والتمسك بالشرعية لا معنى له كما شرحت لأن الشرعية لا تعني أن تستبد وأن تستأثر.

ضبط الشارع
 كيف ترى أصوات المعارضة الخارجية التي ترى في قانون التظاهر تعديًا على الحريات في مصر؟
 الرأي العام العالمي منافق، فلا يوجد شخص ممكن أن يحتل ميدانًا عامًا ويجلس فيه ويعتصم أو ينصب خيامًا في أي دولة غربية، هناك فقط مظاهرات محدودة وسلمية، وتتم بإذن مسبق، وهذا ما نحاول أن نفعله الآن، وبعض السياسيين يرفضون القانون وبعض الحقوقيين يؤيدون ذلك، وأنا أرد عليهم «أين حقوق الإنسان في شلل المرور وتعطيل مصالح الغير؟»، هذا كلام عبثي وتكليف بمستحيل، فكيف تطالب الشرطة والأمن بضبط الشارع وأنت تعتصم ولا تريد تطبيق القانون؟، ماذا تفعل الدولة لمجابهة التخريب المتعمد ممن لا يعجبه القانون ولا يقول لنا كيف نضعه؟.

الرؤية المستقبلية
 رؤيتك في الأسماء التي طرحت بوضع البرنامج الانتخابي للسيسي؟
 أغلبها أسماء لها قيمتها، فعمرو موسى رجل دولة ولديه خبرة طويلة في السياسة الخارجية، والدكتور هاني سرى الدين عقلية اقتصادية وقانونية فذة ولديه رؤى متميزة في الاستثمار وتصور لشكل التشريعات التي تضمن حقوق الدولة والمستثمر في نفس الوقت، والدكتور عمرو الشوبكي خبير سياسي وباحث مهم وسطي التفكير سيُحدث نوعاً من التوازن في الرؤية المستقبلية، لذا أرى أغلب من يعتمد عليهم السيسي يبشرون بالخير ولن تخرج مصر من عثرتها إلا بالاعتماد على رؤية استراتيجية لعشرين عاماً على الأقل يضعها الخبراء والمتخصصون.

خط آخر
 ما الرؤية المثلى لمكافحة الإرهاب؟
مكافحة الإرهاب مسألة صعبة جداً والحل الأمني وحده لن يكون كافياً؛ لأن التناقض ما بين الشعب المصري والإخوان هو تناقض ثقافي وليس تناقضاً سياسيا، هم يستخدمون الدين في السياسة ولذلك يجب استخدام خط آخر غير الأسلوب الأمني.

ضرورة ملحة
 هل نحن في حاجة إلى عمل مشروع ثقافي ضخم؟
 علينا أن نبدأ أولا فنحن في حاجة إلى عمل مشروع ثقافي ضخم على أن يسير الحل الأمني بالتوازي.. باختصار المشروع الثقافي التنويري هو الحل، على أن يشترك فيه كل من وزارات التربية والتعليم والتعليم العالي والثقافة والشباب وكل مؤسسات الدولة، ولا بد أن نعترف بأنه يوجد تقصير من المثقفين الليبراليين، حيث عجزنا عن عمل خطاب جماهيري بسيط يصل للناس؛ لذا أصبح إنتاج خطاب جماهيري ضرورة ملحة ويجب عمل حركة ثقافية واسعة في الشارع عبر وزارة التربية والتعليم والثقافة والإعلام وتعزيز دور المجتمع المدني وبمشاركة الأزهر الذي عليه أن ينشط أكثر في تقديم تفسير ورؤية للدين الوسطي.

الشعب المصري
 هل تستطيع مصر تحمل الضغوط الدولية بعد ترشح السيسي؟
 مصر لن ترسم مستقبلها بالضغوط الدولية.. وأنا ضد تلك الضغوط فقد حققنا الاستقلال الوطني وتخلصنا من الاستعمار في الماضي، وقادرون على ذلك في الحاضر والمستقبل.. والسيسي اختيار الشعب المصري ويجب أن أحترم الشعب المصري، ومن يجد الكفاءة في نفسه يترشح، وأنا أجد أن قانون الانتخابات الرئاسية متوازن وسوف يقضي على الفوضى التي سادت في الانتخابات الرئاسية السابقة.. نحن نريدها انتخابات نزيهة شفافة ديمقراطية وأتمنى أن تشهد الانتخابات الحالية العديد من رجال الدولة القادرين على العبور بمصر وأتمنى أن تكون انتخابات مفتوحة للعالم كله.

خطورة المرحلة
 هل الأحزاب الحالية قادرة على إدارة برلمان قوي له صوت في صناعة القرار كما جاء في الدستور؟
 يتوقف ذلك على النظام الانتخابي وأنا أميل شخصياً للنظام الفردي؛ لأن نظام القائمة يجب أن تتوفر فيه ثقافة واسعة ووعي سياسي عالٍ للشعب وإعلام واعٍ لخطورة المرحلة بحيث يمكن التمييز بين القوائم.

الوريث الشرعي
 هل البرلمان القادم سيشهد نسبة عالية من الإسلاميين أم سيختفون تماماً؟
 بل سيحصلون على عدد من المقاعد، صحيح لن تكون لهم الأغلبية ولا الأكثرية ولكن لن يختفوا، وأتصور أن حزب النور سيكون الوريث الشرعي للإخوان في غيبتهم.

دور السياسي
 كيف ترى المستقبل إذن؟
 لا يمكنك أن تفهم المستقبل إلا إذا أدركت طبيعة ما حدث في المجتمع المصري بعد ثورة 25 يناير، ولذلك رسمت خريطة للواقع المصري بعد ثورة يناير بها أربعة ملامح أساسية: الأول سقوط دور المثقف التقليدي وصعود دور السياسي، بمعنى أن مثقف الخمسينيات سقط دوره وبزغ دور منافس له هو السياسي، فالمثقف له تكوين خاص وقد تقول هذا يميني هذا يساري أو وسطي، حسب التنوعات الأيديولوجية التي يتميز بها، بينما الناشط السياسي لا أيديولوجيا ثابتة له، ولكن لديه عبقرية في تحريك الشارع يفتقدها المثقف التقليدي، لكن للأسف وصف «الناشط السياسي» أو «الناشط الثوري» أصبح مهنة من لا مهنة له.
والملمح الثاني الخطير، هو تحول المظاهرات السياسية إلى حشود جماهيرية كبيرة، لأن في علم النفس السياسي «الحشد» يكون له سيكولوجية خاصة ومن الصعب جدًا السيطرة على حركته وهو بطبيعته يميل للعنف وخرق القواعد والقوانين.
أما الملمح الثالث في خريطة تغيرات الواقع المصري، فهو الصراع بين الثورية الشرعية والثورية الديمقراطية أو بتعبيرات أوضح الصراع بين شرعية الميدان وشرعية البرلمان، وللأسف هناك فكرة لدى الشباب والنشطاء الثوريين أن الشرعية الثورية لا بد أن تبقى للأبد، وهي تجب كل شيء سواء حدثت انتخابات أم لا، وهذا خطأ فادح لا ينفي أن من حقنا أن نتظاهر في أي وقت.
وأما الملمح الرابع والأخير، فهو أن الشعب المصري أصبح مصممًا على المشاركة في اتخاذ كل القرارات كرد فعل لاحتكار القلة في عهد مبارك إصدار القرارات، وهذا من إيجابيات ثورة 25 يناير وليس ذلك فقط، بل الشعب مصمم على المراقبة وعلى تنفيذ تلك القرارات التي تعجبه.

أزمة مصر
 كيف ترى أزمة النخبة السياسية مع الشارع المصري؟
 النخبة عاجزة؛ لأن لديها مشاكل، وهناك فرق في العقلية بين كبار السن والنشطاء الشباب، وفي إحدى المرات سئل البرادعى في حزب «الدستور» عن شيء ما، فكان رده عجيبًا، قال: «هم من يقولون لي»، وهذا معناه أن الشارع يقود النخبة وليس العكس، وتلك معادلة صعبة؛ لأن الشارع متشرذم ومشتت وغير ثابت وبالتأكيد ليست هناك رؤية سياسية متكاملة لدى الشارع، لكن المؤسف أن النخبة ليست أفضل حالًا ولا تملك رؤية هي الأخرى، وتلك أزمة مصر الحقيقية؛ لأن انعدام هذه الرؤية سيلقي بظلاله على الانتخابات القادمة، وقد كتبت من قبل وقلت إن الانتخابات القادمة كارثة.

الحوار المجتمعي
 كيف يتم التخطيط لمدة 20 سنة فقط؟ ولم لا تطبقها الحكومة الحالية؟
 الرؤية الاستراتيجية ليست مجرد فكرة على جدول الأعمال، بل تستمد أهميتها من عنوانها، فمعناها استراتيجية التطور والتقدم في العشرين سنة القادمة، ووضعها في إطار عام يلزم كل حكومة قادمة بتنفيذ مراحلها، ويجب أن نعترف أن مصر الآن في مشكلة بسبب المرحلة الانتقالية والحكومة الحالية هي حكومة مؤقتة وتعمل بروح العمل المؤقت على المستوى التكتيكي وليس الاستراتيجي، وهذا في حد ذاته مشكلة تجعل من الصعب اتخاذ أي قرار استراتيجي الآن، فهذه الفكرة يجب طرحها بعد انتخاب المجالس النيابية والرئيس الجديد فنطالبه بضرورة وضع رؤية استراتيجية ونقدم له المشاريع الموجودة لتناقش وتطرح للحوار المجتمعي.

أمر مختلف
 تحدثت من قبل عن الشرعية الثورية وعن شرعية الثورة فما الفرق بينهما؟
 بالفعل تحدثت عن أنواع الشرعيات السياسية، مثل الشرعية التقليدية التي تأخذ شكل الملكيات، والشرعية النضالية مثل بورقيبة الذي حقق الاستقلال لبلده رغم أنه تحول لديكتاتور فيما بعد، ولكن هذا أمر آخر، لكن عبدالناصر كانت له شرعية الثورة؛ لأنه قاد انقلابا أدى إلى قيام ثورة، أما عن الفرق فيظهر في نقاط دقيقة جدا فهناك ما يسمى بشرعية ثورة يوليو 1952 وهي إجراءات تمت ليست بناء على شرعية قانونية، ولكن بناء على شرعية الثورة، بينما الشرعية الثورية جاءت في عصر الثورات الشعبية بعد 25 يناير، حين ظهر الجدل بين الشرعية الدستورية والشرعية الثورية وهي أمر مختلف.

العالم الواقعي
 هل تنبأت بالثورة بهذا الشكل؟
 توقعت كما توقع غيري قيام ثورة جياع ولم يتوقع أحد أن تنشأ ثورة بهذا الشكل بالعكس فقد أجريت سابقاً دراسة عن مدونات الشباب، وخلصت منها إلى نتيجتين إحداهما صحيحة، والأخرى خاطئة، الصحيحة هي أني عرفت أن هؤلاء الشباب ليسوا ذوي ثقافة سياسية على الإطلاق فهم يخلطون بين المسميات والأفكار والأساس الفكري لديهم ضعيف جدا ولكن النتيجة الخاطئة بامتياز هي توقعي أن هؤلاء الشباب لن ينجحوا في الانتقال إلى الشارع وأن الانتقال من العالم الافتراضي إلى العالم الواقعي سيفشل بالضرورة، ولكن توقعي هو الذي فشل؛ لأنهم انتقلوا من خلف الـ«كي بورد» إلى الشارع وقاموا بـ25 يناير.




السيد ياسين  يتحدث مع « اليوم»