الدراجة النارية.. من المتهم؟ عادل غنيم
محمد هجرس ـ القاهرة 2014/02/18 - 03:00:00
كم ذا بمصرَ من المضحكاتِ..
ربما كان صدر بيت الشعر الشهير، للمتنبي، أصدق تعبير عن حالة الهوس التي تنتاب الشارع المصري، في الأشهر الأخيرة..
تقاليع ومسميات خلطت الحابل بـالنابل وجعلت كثيرا من الأشياء مقدمة لفوبيا رهيبة، سرعان ما تنتشر كانتشار النار في الهشيم، موزعة اتهاماتها في كل الاتجاهات، لتطال كل ما يقابلها، بحق أو بدون حق.
فالمجتمع الذي أصبح أكثر قابلية للاشتعال، من مجرد إعلان تليفزيوني، لإحدى شركات الاتصالات، أصبح بين عشية وضحاها، شفرة لتنفيذ أعمال إرهابية، هو ذاته المجتمع الذي أعلنت بعض وسائل إعلامه، قبل أشهر خبراً مشفوعاً بصورة ذليلة، عن إلقاء القبض على بطة بتهمة التورط في أعمال التجسس، وهو ذاته المجتمع بنفس أشكال البعض منه، الذين رأوا في إعلانٍ آخر لأبلة فاهيتا إشارة لبدء عملية إسقاط طائرة عسكرية، راح ضحيتها 5 من الطيارين، قبل أيام، ليضج الجميع بالضحك.. ولكنه ضحكٌ كالبكاء كما قال عجز بيت الشعر الشهير.!
سخرية المصريين من واقعهم، أصبحت نموذجاً للحياة، ووسيلة للتغلب على متاعبها اليومية، حتى لو كانت السخرية تتعلق بحادث إنساني وقع ذات يوم، ومات فيه خمسة أشقاء في صعيد مصر، فقدوا حياتهم الواحد تلو الآخر، من أجل إنقاذ دجاجة سقطت في بئر، ليحول المصريون بألسنتهم كوارثهم إلى ملهاة.
من سائق الميكروباص، الذي حذر المارة على الزجاج الخلفي لسيارته بالقول: «احترس.. السائق صعيدي» إلى هوجة «التوك توك» وسيلة النقل التي تشبه الصفدعة، وجلبت من بلاد جنوب شرق آسيا، لتحل أزمة التوصيل إلى الأزقة والحارات الشعبية، بسعر رخيص، بعد رفض سائقي التاكسي الدخول إلى هذه الدروب الوعرة، بشرياً ومرورياً، حتى بات مرأى تلك الضفدعة وهي تقفز بركابها، وتسير جنباً إلى جنب في أرقى أحياء العاصمة والمدن الأخرى، مع سيارات فارهة مثل مرسيدس وبي إم دبليو، في مفارقة كوميدية لن تراها إلا في مصر.. وحدها!.
بعد «التوك توك» الذي قامت ضجة كبيرة عليه، مع تصاعد المطالب بإلغائه، لم يتساءل أحد، عن كيفية دخوله البلاد، ومن الذي سمح به؟ ومن المستفيد منه؟ خاصة وأنه يسير بلا أي رخصة، في ذات الزحمة والفوضى، جاءت الدراجة النارية، أو الموتوسيكل كما يُطلق عليه العامة، ليحتل الواجهة في الأيام الأخيرة، وينصبُّ عليه جام الغضب بلا هوادة، لتقوم الدنيا ولا تقعد، بعد اكتشاف استغلال العديد من العناصر الإرهابية له في ارتكاب جرائمهم ضد الدولة، وضد المجتمع.
الاتهام العلني الأول، كان مقروناً بحوادث سرقة أغلبها لحقائب السيدات في الشوارع، لكن استخدامه تطور من مجرد حالة سرقة، ليصبح شريكاً في جرائم قتل، ومع استهداف حفل زفاف بإحدى الكنائس، قبل أشهر، وبالتزامن مع إزاحة نظام الإخوان، في حي الورّاق الشعبي، والذي راح ضحيته أكثر من 10 أشخاص، بينهم طفلة مزق رصاص الإرهاب جسدها الصغير، تزايدت الخطورة، ليصحو الأمن على مئات الآلاف من الدراجات النارية التي تسير في شوارع البلاد بلا ترخيص، وكأن المسؤولين اكتشفوا فجأة حجم العبث الموجود، ليعودوا جميعاً إلى سُباتهم العميق، لكن المتهم يذهب إلى قفص الاتهام مرة أخرى، مشفوعاً بالعديد من حوادث العنف، وأقوال متناثرة عن أناس بعينها، تزود الجماعة بهذه الدراجات للمشاركة في مسيراتهم وتظاهراتهم ضد الدولة، ويرتكبون عبرها أفظع جرائم إطلاق الرصاص، لتقوم القيامة، ويشن الأمن حملة شعواء لا تنتهي بمصادرة الآلاف من غير المرخص منها، وكالعادة يسود النوم البلاد من جديد.
تتعدد الجرائم، والمتهم هو ذاته، ليمثل حادث اغتيال مدير المكتب الفني لوزارة الداخلية، ومساعد الوزير، اللواء أحمد سعيد عبدالجوّاد، علناً وأمام الجميع، على يد ملثمين اثنين، على دراجة نارية، إعادة بطيئة لكل مشاهد الموت والعنف على أرض المحروسة، منسوباً لجماعة الإخوان وعناصرها التكفيرية والإرهابية، فيتناسى الجميع كل أخطائهم، ويلقون باللائمة على مجرد دراجة نارية لم يتذكر أحد أنها كانت في يوم من الأيام وسيلة ولو غير شرعية تمتطيها أسرة كاملة من البسطاء، بمواجهة قوافل السيارات من كل نوع وصنف.. ليدعو خبير أمني، مثل اللواء مجدي البسيوني مساعد وزير الداخلية السابق، لإصدار قرار فوري وسريع بعدم ركوب أكثر من شخص واحد للدراجة البخارية ولو لفترة محددة، وكذلك مصادرة غير المرخص منها.
.. وما ذنبي أنا؟.. هكذا تساءل شاب متواضع الحال، رفض حتى ذكر اسمه أو السماح بتصويره، خوفاً من أن الوشاية به للأمن، وهو يسير في شارع خلفي من شوارع مصر الجديدة..
.. والفنكوش؟
وكأن كل ما سبق لا يكفي، لتبدأ هذه الأيام حملة في الشارع المصري، بحثاً عن الفنكوش، ليس ذلك الذي ورد قبل سنوات في أحد أفلام الزعيم عادل إمام، بصيحته الشهيرة: «يا ناس يا عسل.. الفنكوش وصل»، في سخرية لاذعة، ولكن عن عقار غذائي، كشفت التحاليل الطبية أنه يحوي منشطاً للجنس، يحمل ذات الاسم، وتسبب في مخاطر صحية عديدة، أودت بحياة بعض الأشخاص.
وزارة الصحة على لسان، متحدثها الرسمي، الدكتور أحمد كامل، كشف عن حملة صحيّة، تقوم بها الوزارة بالتعاون مع مباحث التموين، لضبط مثل هذه المنتجات.
كامل، الذي اعتبر ـ في اتصال هاتفي مع (اليوم) ـ أن ما يحدث هو جريمة، أوضح أن الوزارة سبق أن صرحت بمنتج غذائي تحت هذا الاسم، عبارة عن شيكولاتة وكالسيوم، لكن بعض الشركات، أضافت له بسرية تامة، كميات من عقار جنسي شهير، دون رقابة صحية أو طبية، عرضت حياة كثيرين لارتفاع مفاجئ في الضغط وقصور قلبي، مشيراً إلى أن هذا المنتج الذي كان مخصصاً أصلاً للأطفال، أصبح يُباع في الأسواق بشكل مؤسف.
المتحدث الرسمي لوزارة الصحة، طالب المواطنين بالإبلاغ الفوري للشرطة عن المنتج، وأكد أن الأحكام ستكون قاسية جداً.
وهكذا هي مصر.. يختلط ما هو سياسي، بما هو اجتماعي، ليبقى الحال كما هو عليه، وكأن البلاد حائرة «تلاقيها منين والا منين» فيما يظل المجهول متهماً يثير الشفقة في مجتمع متحفز لاصطياد أي موقف ليتندر على أي شيء!.