البذخ والمبالغة وبهرجة الألوان قتلت بنات العيلة..؟

البذخ والمبالغة وبهرجة الألوان قتلت بنات العيلة..؟

"هل نشهد مواجهة بين صبايا وبنات العيلة..؟" كنّا نسعى للمقارنة بين المسلسلين بمقولتهما الفكرية وبالشخصيات الحاضرة فيهما وبالأثر الاجتماعي الذي سيتركه كلاهما، ولاسيما أننا بتنا نشهد اليوم أعمالاً تنزع إلى التغلغل أكثر في جوانيات الشريحة الأكبر من النساء "الصبايا"، وتنحو باتجاه نبش المسكوت عنه في حياة الفتاة المغامرة المندفعة إلى الحياة بكل شغف إثبات الوجود، والوقوف عند ما تعانيه من مشكلات ذاتية وأخرى مع البيئة المحيطة. وبالقدر ذاته السعي والتساؤل: هل ستنجح بطلات "بنات العيلة" في الخروج من تقليد "صبايا"، أم سيحتفظن بالأداء ذاته خاصة وأنهن سيكنّ هذه المرة تحت إدارة المخرجة المشهود لها بالكفاءة والإبداع رشا شربتجي؟!.

في التقييم الأولي يمكن القول: إن وقوع الأعمال التي عاينت عالم الصبايا، وعرضت لمشكلات الفتيات المراهقات وسواهن، وبذريعة تقديم عمل درامي جاد أو كوميدي "خفيف" وقعت في مطب ومأزق المقولة الفكرية الهزيلة والجافة التي تقود حتماً إلى تسطيح الأمور والقضايا الجوهرية في المجتمع، بل الأخطر مما سبق أن يقتنع المشاهد العربي أن ما يُقدّم هو الصورة الحقيقية للبنت السورية، التي تعيش صراعاً (هشاً ومفتعلاً)، همّها فيه الزواج والطلاق ونظرة المجتمع وتعامل الآخر "الظالم" لهذه البنت ذات الثراء الفاحش والاستعراض المفرط والماكياج الفاقع!!.
ولئن حذّر الكثير مما كُتب في صحافتنا من أن هذه الأعمال التي بدأت مع مسلسل "صبايا" على ما نعتقد، هي إساءة بشكل أو بآخر لصورة الفتاة السورية، وظلماً بيّناً أن نقدّمها على هذه الشاكلة في سيناريوهات ونصوص تفتقر للرؤية الموضوعية والسطحية في معالجة واقعها الذي يعدّ جزءاً من واقع المرأة العربية برمته، فإنه يحق للمتلقي أن يتساءل مثلاً: ما هو الفارق بين ميديا ولبنى ونور وسميحة في "صبايا"، وميرفت، وسارة، وعليا، وميرا، ورنا، وعلا في "بنات العيلة"؟! وما الذي اختلف بين العملين سوى الحكاية، فيما كنّا نرى أداء جيني إسبر ونسرين طافش، وقمر خلف، وديمة الجندي، وكندة حنا، صوراً مستنسخة عن العمل الأول. حتى الحكاية التي استندت في مقولاتها العريضة إلى نظرة الناس إلى المطلّقة مهما كان موقعها الاجتماعي، وتعرّض الفتيات عامة لمضايقات وإزعاجات الآخرين، أو الوقوف عند العلاقة بين الأديان والتعايش وزواج فتاة مسيحية من شاب مسلم، لم تحمل جديداً ولم تساعد صاحبة "غزلان في غابة الذئاب" و"زمن العار" و"الولادة من الخاصرة" على تقديم عمل بالمستوى نفسه، بسبب من تواضع المعالجة الدرامية لـ"بنات العيلة" ونمطيته وتشابهه مع ما يُقدم الآن من أعمال متخمة بالهموم الهامشية، مع إيماننا المطلق بأن لكل عمل ظروفه وشروطه الإنتاجية ومدى عمق وموضوعية الأفكار التي يتصدّى لها.
لقد حاولت الكاتبة رانيا بيطار التي قدّمت للدراما السورية سابقاً "أشواك ناعمة"، و"البيوت أسرار"، جاهدة على ما نستقرئ، صوغَ نص درامي مشوّق بدت معالمه بطبيعة القصة، حيث تقع رسالة خطيرة كتبتها شابة لا تحمل توقيعاً يعود تاريخها إلى عشر سنوات في يد الخالة ملك أثناء تنظيفها البيت، فتقوم بجمع بنات العائلة لتعرف سر من كتبها وسر من كُتبت له، وبعد اتصالات عدّة تجتمع بنات العائلة في بيت الخالة ملك وكلهنّ فضول لهذا الاجتماع المفاجئ، لنتبيّن أن فحوى الرسالة طلبٌ بإشهار زواج عرفي يعين الفتاة على تسجيل ابنهما في خانة الزوج في السجل المدني، لتتالى الخيوط الدرامية بسعي ملك الحثيث لاكتشاف هذه الفتاة، ومعرفة حفيدها غير الرسمي. ونقضي كمتابعين أكثر من خمس عشرة حلقة نحوم حول الرسالة وسط استطالات درامية اكتفت فقط بإظهار بذخ "بنات العيلة" وحواراتهن التي يمكن اختزالها بخمس حلقات لا أكثر.. ولندرك أيضاً في النهاية أن الحكاية التي جاهدت بيطار في حبكها كانت بحاجة ماسة لتعميق خطوطها ومحاورها، والبناء على بعض ملامحها الجادة، ليخرج السيناريو من "خفته" وسطحيته التي أربكت الكاتبة والمخرجة في آن معاً.
في حوار سابق لها قالت المخرجة رشا شربتجى: "نريد إيصال فكرة بطريقة سلسة من خلال مجموعة صبايا تربطهن علاقات أُسرية، وتتقاطع حكاياتهن مع الكثير من المشكلات الحياتية التي نعيشها، حيث سيجد المشاهدون شخصيات المسلسل قريبة منهم، عايشوا تجاربها أو سمعوا بها، فالعمل يتحدث عن قضايا تعكس واقع ونبض الشارع".
لنتساءل بدورنا: أي قرب ذلك الذي تحدثت عنه شربتجي، وهل هذا النموذج يعبّر بشكل حقيقي أو مغاير ومختلف عن قضايا وواقع ونبض الشارع السوري؟!.
ولعلّ اللافت في الأمر أيضاً أن تنبري الكاتبة للدفاع عن المسلسل وتردّ على الانتقادات التي طالته بالقول: "فاجأتني ردّة فعل المشاهدين على هذا العمل فهي متراوحة بين المعجب جداً والمستاء جداً، لقد أصبح الجمهور نتيجة الظروف السائدة في المجتمع العربي صعباً شديد الحكم والنقد لم يعد يحتمل أي بهرجة أو فخامة في الأعمال التي يفضّل رؤيتها تعكس واقعه".
ولتعترف بيطار بأن البذخ وغنى البيوت وجمال وأناقة البنات كانت (لافتة لكنها ليست غريبة)!!، ففي سورية هناك بيوت جميلة وبنات جميلات يتبعن آخر صيحات الموضة، وهذا جزء من المجتمع السوري، فكما هناك طبقة فقيرة تسكن في مناطق العشوائيات وطبقة وسطى غالبة، هناك أيضاً فلل وأبنية فخمة يسكنها سوريون نسبتهم لا بأس بها". وتعقب بالقول: "إن القضايا التي تناولها "بنات العيلة" هي قضايا تهمّ كل طبقات المجتمع السوري ولا تُعنى فقط بقضايا الطبقة الغنية المترفة"؟!!.
وهذا الدفاع والتبرير لن نتساءل أو نعلّق عليه، بل نتركه برسم من تابع المسلسل، ليلمس التناقض الذي أشرنا إليه مع ما تذهب إليه الكاتبة رانيا بيطار.. وحسبنا أن إحدى الفضائيات العربية التي أعجبها "لوك" ومكياج وتسريحات "بنات العيلة" قد طرحت سؤالاً يشير إلى ما يُعجب الآخر في مسلسلاتنا، وأي ثقافة نصدّرها، إذ قالت تلك القناة: "تميّز ماكياج الفنانات وبطلات المسلسل بألوان زاهية وإن عكست إلى حدّ ما مزاج الشتاء الذي تمّ خلاله تصوير أحداث المسلسل.. وفي زفاف سالي ظهرن جميعاً بأبهى حلتهن مشرقات وجميلات..

البذخ والمبالغة وبهرجة الألوان قتلت بنات العيلة..؟ 531476_452563234774423_316252693_n