[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - :
يقول الله تعالى : ( أنا عند ظن عبدي بي ، وأنا معه إذا ذكرني ، فإن ذكرني
في نفسه ذكرته في نفسي ، وإن ذكرني في ملإ ذكرته في ملإ خير منهم ، وإن
تقرب إلي بشبر تقربت إليه ذراعا ، وإن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا ،
وإن أتاني يمشي أتيته هرولة ) رواه البخاري ومسلم .
منزلة الحديث :هذا الحديث من أحاديث الرجاء العظيمة التي تحث المسلم على حسن الظن بالله جل وعلا ،
والإكثار من ذكره ، وبيان قرب الله من عبده إذا تقرب إليه العبد بأنواع
الطاعات .
تفسير الحديث : حسن الظن بالله : بدأ الحديث بدعوة العبد إلى أن يحسن الظن بربه في جميع الأحوال ، فبَيَّن جل وعلا أنه
عند ظن عبده به ، أي أنه يعامله على حسب ظنه به ، ويفعل به ما يتوقعه منه
من خير أو شر ، فكلما كان العبد حسن الظن بالله ، حسن الرجاء فيما عنده ،
فإن الله لا يخيب أمله ولا يضيع عمله ، فإذا دعا الله عز وجل ظن أن الله
سيجيب دعاءه ، وإذا أذنب وتاب واستغفر ظن أن الله سيقبل توبته ويقيل عثرته
ويغفر ذنبه ، وإذا عمل صالحاً ظن أن الله سيقبل عمله ويجازيه عليه أحسن
الجزاء ، كل ذلك من إحسان الظن بالله سبحانه وتعالى ، ومنه قوله - عليه
الصلاة والسلام - ( ادعوا الله تعالى وأنتم موقنون بالإجابة ) رواه الترمذي
، وهكذا يظل العبد متعلقا بجميل الظن بربه ، وحسن الرجاء فيما عنده
وبذلك
يكون حسن الظن بالله من مقتضيات التوحيد لأنه مبنيٌ على العلم برحمة الله
وعزته وإحسانه وقدرته وحسن التوكل عليه ، فإذا تم العلم بذلك أثمر حسن الظن
.
وقد ذم الله في كتابه طائفة من الناس أساءت الظن به سبحانه ، وجعل
سوء ظنهم من أبرز علامات نفاقهم وسوء طويتهم ، فقال عن المنافقين حين تركوا
النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه في غزوة أحد : { وطائفة قد أهمتهم
أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية } (آل عمران: 154) ، وقال عن
المنافقين والمشركين : { الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء }
(الفتح: 6) .
المراد من الحديث : المراد من
الحديث تغليب جانب الرجاء ، فإن كل عاقل يسمع بهذه الدعوة من الله تبارك
وتعالى ، لا يمكن أن يختار لنفسه ظن إيقاع الوعيد ، بل سيختار الظن الحسن
وهو ظن الثواب والعفو والمغفرة وإيقاع الوعد وهذا هو الرجاء ، وخصوصاً في
حال الضعف والافتقار كحال المحتضر فإنه أولى من غيره بإحسان الظن بالله جل
وعلا ولذلك جاء في الحديث ( لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله )
أخرجه مسلم عن جابر رضي الله عنه .
فينبغي للمرء أن يجتهد في القيام بما
عليه موقنًا بأن الله يقبله ويغفر له ; لأنه وعد بذلك وهو لا يخلف الميعاد
، فإن ظن أن الله لا يقبله ، أو أن التوبة لا تنفعه ، فهذا هو اليأس من
رحمة الله وهو من كبائر الذنوب , ومن مات على ذلك وُكِل إلى ظنه .
ما ينبغي ان نتعلم من الحديث :1
-حسن الظن بالله : مما ينبغي أن يُعْلم في هذا الباب أن حسن الظن بالله يعنى حسن العمل ، ولا
يعني أبداً القعود والركون إلى الأماني والاغترار بعفو الله ، ولذا فإن
على العبد أن يتجنب محذورين في هذه القضية
- المحذور الأول : هو اليأس والقنوط من رحمة الله .
-
المحذور الثاني : هو الأمن من مكر الله ، فلا يركن إلى الرجاء وحده وحسن
الظن بالله من غير إحسان العمل ، فإن هذا من السفه ومن أمن مكر الله ، وفي
المقابل أيضاً لا يغلِّب جانب الخوف بحيث يصل به إلى إساءة الظن بربه فيقع
في اليأس والقنوط من رحمة الله ، وكلا الأمرين مذموم ، بل الواجب عليه أن
يحسن الظن مع إحسان العمل ، قال بعض السلف : " رجاؤك لرحمة من لا تطيعه من
الخذلان والحمق " .
2- جزاء الذاكرين :ثم أتبع
ذلك ببيان فضل الذكر وجزاء الذاكرين ، فذكر الله عز وجل أنه مع عبده حين
يذكره ، وهذه المعية هي معية خاصة وهي معية الحفظ والتثبيت والتسديد كقوله
سبحانه لموسى وهارون :{ إنني معكما أسمع وأرى } (طـه: 46) ، وأفضل الذكر ما
تواطأ عليه القلب واللسان وتدبر الذاكر معانيه ، وأعظمه ذكر الله عند
الأمر والنهي وذلك بامتثال الأوامر واجتناب النواهي .
3
- جزاء القرب من الله :ثم
بين سبحانه سعة فضله وعظيم كرمه وقربه من عبده ، وأن العبد كلما قرب من
ربه جل وعلا ازداد الله منه قرباً ، وقد أخبر سبحانه في كتابه أنه قريب من
عبده فقال : { وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان
فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون } (البقرة: 186) ، وأخبر النبي -
صلى الله عليه وسلم - أن ( أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا
الدعاء ) رواه مسلم ، ففي هذه الجمل الثلاث في هذا الحديث وهي قوله تعالى :
( وإن تقرب إلي بشبر تقربت إليه ذراعا ، وإن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه
باعا ، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة ) ما يدل على هذا المعنى العظيم ، وهو
أن عطاء الله وثوابه أكثر من عمل العبد وكدحه ، ولذلك فإنه يعطي العبد أكثر
مما فعله من أجله ، فسبحانه ما أعظم كرمه وأجَلَّ إحسانه .
المصدر : اسلام ويب