أحبتي في واحة همسات المحبة
يسعدني وأنا أفخر بكم
بأن أنقلكم في النزهة الأخيرة في كتابي
العدد 7 سر إلهي عجيب
أرجو لكم طيب الإقامة ونزهة ممتعة
... أخوكم محمود فالح مهيدات ...***
الفصل العاشر
صور العبادة
- الـشكــر
- التوكـــل
- الإخـــلاص
- الدعـــــــاء
- الركوع والسجود
- سبيل إلى انشراح النفس
- انفتـاح علـى الكــون
صور العبادة
العبادة: هي الانقياد التام لله سبحانه وتعالى والالتزام بأوامره واجتناب نواهيه والتفرد بعبادته جل في علاه... فما خلق الله سبحانه وتعالى الجن والإنس إلا ليعبدوه مخلصين له الدين.. قال تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ﴾.
صور العبادة: للعبادة سبع صور هي:
1. الشكــر. (هو إظهار نعمة الله على لسان الإنسان ثناءً واعترافاً، وعلى قلبه شهوداً ومحبة، وعلى جوارحه انقياداً وطاعة).. كان رسول الله سيد العابدين يعبد الله تبارك وتعالى حتى تتفطر قدماه، فقالت له أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ذات يوم: يا رسول الله، أنت تفعل ذلك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ ... فقال عليه الصلاة والسلام: (( أفلا أكون عبداً شكوراً؟ ))... والله تبارك وتعالى يقول: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾.
2. التوكل: التوكل يعني الاعتماد على الله تبارك وتعالى مع الأخذ بالأسباب، وأما عدم الأخذ بالأسباب مع الادعاء بالتوكل على الله فيدعى (تواكل) وليس بالتوكل.. وقد أمر الإسلام الحنيف بالاعتماد على الله تعالى مع الأخذ بالأسباب، لقول رسول الله لأحد المسلمين عندما ترك بعيره في أحد الأمكنة دون أن يعقله فقال له الرسول الكــريم: (( أعقل وتوكل))... وهكذا العبادة، فهي توكل على الخالق واعتماد عليه عز وجل مع الأخذ بالأسباب التي تقربنا منه تبارك وتعالى من صلوات وزكاة وصوم وحج بيت وسائر الأعمال الصالحة التي تقرب العبد من ربه، قال تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾.
3. الإخلاص لله: بما أن العبادة انقياد تام لله سبحانه وتعالى والتزام بأوامره واجتناب لنواهيه، فهي إذن الإخلاص التام من العبد لخالقه، فلا يشرك بربه أحداً، ويخلص كل أعماله لوجه الله تبارك وتعالى، قال سبحانه: ﴿ إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدْ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ ﴾.
4. الدعاء : الدعاء دلالة واضحة على الثقة المطلقة بالخالق عز وجل، واعتراف صريح بأن الله تعالى هو الكافل والصانع والمعطي والمانع، وهو الشافي والكافي وهو الضار والنافع، وهو الغالب لكل شيء فلا يغلبه أحد في أي أمر من الأمور، وهو تبارك وتعالى سميع قريب مجيب، قال سبحانه: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي ﴾ ... وقال أيضاً: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾... وقـال المصطفـى : ((الدعاء هو العبادة)).
5. الركوع والسجود: هما علامتان دالتان على الطاعة التامة والانقياد المطلق لله جل في علاه، وهما أمران يتجرد فيهما المرء المسلم عن كبريائه وغروره، ويتذكر بأنه بين يدي مالك الملك وملك الملوك، إله عظيم تنحني له الرؤوس والأعناق إجلالاً وتعظيماً، وتخر له الجباه والأذقان طالبة العفو والمغفرة، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾.. وقال أيضـــاً: ﴿ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنْ السَّاجِدِينَ ﴾.
6. سبيل إلى انشراح النفس: كان رسول الله إذا حزبه أمر لجأ إلى الركن الركين في صلاة خالصة لوجه الله تعالى فيقول: ((أرحنا بها يا بلال)) ، فعبادة الله تعالى سبيل إلى الاستقرار والأمن النفسي، ووسيلة إلى السكينة والهدوء والطمأنينة، قال تبارك وتعالى: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴾ ، أي أعبد الله سبحانه وتعالى وواظب على فعل الخيرات حتى يأتيك أجلك فتلقى الله قرير العين ونفسك مطمئنة راضية مرضية.
7. انفتاح على الكون: قال مولانا: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنْ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾.. فالله تبارك وتعالى يأمرنا أن نعبده، ويذكرنا بأمور يشد بها عقولنا إلى التفكير في قدرة الله عزوجل، من خلال آياته في هذا الكون العجيب والبديع الصنع: فيذكرنا بخلقنا وخلق الأمم السالفة التي بيدت وأهلكت... كما يبين لنا أنه تعالى خلق الأرض مهاداً والسماء سقفاً، ففي الأرض من الآيات العظام ما فيها، وفي السماء من الكواكب والنجوم والأقمار ما فيها، وكلها تسير بنظام دقيق عجيب وضعه وقدّره أحسن الخالقين.. كما يشد انتباهنا بني البشر إلى الماء الذي ينزّله ربنا من السماء وما يتعلق بنزوله من السحاب الذي يزجيه مالك الملك ويؤلف بينه فيجعله ركاماً فينزل الماء من خلاله فتتلقاه الأرض لينبت الله به الثمار المختلفة، فتحيا به الأرض بعد موتها، فبعد أن كانت هامدة متشققة من شدة حرارة الشمس والعطش وتبخر المياه منها بفعل الحرارة، يأتي الله بالمطر لإعادة الحياة لها، ولتنبت بفضل الله وكرمه مختلف الثمار رزقاً وطعاماً لبني البشر. وفي نهاية الآية ينهانا رب العالمين على أن نتخذ شركاء لله في العبادة، وفي الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله، أي الذنب أعظم عند الله؟ ، قال: ((أن تجعل له نداً وهو خلقك)) ... وكذا حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه: أتدري ما حق الله على عباده؟ ((أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً)).
*************
الفصل الحادي عشر
● أنبيــــاء اللــــه
- صفات الأنبياء
- مزايا دعوة الأنبيـاء
- وظائف الرسـل
أنبيـاء الله
صفـات الأنبياء
1. الصدق: الصدق من صفات الكمال والمزايا الحميدة التي يحبها رب العالمين، وقد أرادها تبارك وتعالى لتكون من جملة صفات أنبيائه الكرام الذين اصطفاهم من خلقه لحمل رسالاته دعاة للبشرية لعبادة الله الواحد القهار... فما وجد الصدق في شيء إلا زانه، وماانتزع الصدق من شيء إلا شانه... قال تبارك وتعالـى: ﴿ وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ * لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ * وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ﴾... أي لو أن هذا النبي – ويقصد محمدا ًr – افترى علينا الكذب فزاد في الرسالة أو أنقص لعاقبناه أشد العقوبة وبطشنا به ولن يقدر أحد منكم أن يقف بيننا وبينه ليكون حائلاً يحجز عنه العقوبة؛ والوتين هو ما يعلق به القلب داخل الجسم، قال ابن عباس رضي الله عنهما: (هو نياط القلب، وهو العرق الذي يعلق به القلب).
2. الأمانة: الأمانة كنز ثمين، وعبء ثقيل، فقد أشفقت السموات والأرض والجبال من حملها، لكن الإنسان تكفل بحمل هذه الأمانة، قال تعالــى : ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً ﴾.. والأمانة من الأسس البدهية للدين، قال r: ((لا إيمان لمن لا أمانة له))، فالأمانة معيار دقيق للإيمان. والأمانة صفة راسخة في أنبياء الله كافة لقوله سبحانه وتعالـى: ﴿ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً ﴾.. وقوله أيضــــاً: ﴿ أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ ﴾.
3. التبليغ: أراد الله سبحانه وتعالى لرسله الكرام أن يبلّغوا رسالاته للبشرية، وقد قال تعالى مخاطباً نبي الإسلام r: ﴿ وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ﴾ ، ثم خاطبه قـائلاً: ﴿ فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنْ الْمُشْرِكِينَ﴾ ، وفي كلتيهما أمر من الله تبارك وتعالى لنبيه بأن يبلغ الرسالة كما أمر، وما من نبي من أنبياء الله إلا وبلغ رسالة الله على أكمل وجه:
• قال تعالى: ﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * قَالَ الْمَلأ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ * قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنْ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ ﴾.
• قال تعالى: ﴿ وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ * قَالَ الْمَلأ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنْ الْكَاذِبِينَ * قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ ﴾ .
• قال تعالى: ﴿ وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ * قَالَ الْمَلأ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنتُمْ بِهِ كَافِرُونَ * فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنتَ مِنْ الْمُرْسَلِينَ * فَأَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ * فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ ﴾.
• وقال سبحانه: ﴿ الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كَانُوا هُمْ الْخَاسِرِينَ * فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ ﴾.
4. الفطانة: هي العقل الراجح والذكاء اللماح، فإذا ما أراد الله أحداً لرسالته، فإنه يؤتيه من الفطانة والذكاء ما لم يعطه لغيره، قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ ﴾... أي أن الله تبارك وتعالى قد أعطى إبراهيم العقل والرشد والفطانة والذكاء والهمة العالية وقول الحق وقوة الحجة والمنطق والبرهان، وكان إبراهيم أهلاً لهذا العطاء العلوي الكريم.
وقال تبارك وتعالـــى : ﴿ وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ ﴾... أي إذا جاءتهم من الله حجة دامغة وبرهان قاطع قالوا لن نؤمن حتى تأتينا الملائكة من الله بالرسالة والحجج والبراهين كما أوتي الأنبياء والرسل، وهنا يوضح رب العزة بأنه أعلم حيث يضع رسالته، وأعلم بمن هو أهل لحمل هذه الرسالة من بني البشر، فلا بد لحملة الرسالة السماوية والتعاليم الإلهية من مواصفات ينفردون بها عن غيرهم، ومن هذه الصفات المميزة "الفطانة والذكاء".
5. السلامة من العيوب والأمرض المنفرة: بما أن النبي حامل لرسالة سماوية، فلا بد من استقطاب جموع من الناس لمناصرته والوقوف بجانبه لإنجاح دعوته، ولأجل ذلك لا بد للنبي من النقاء والسلامة من كل شيء ينفِّر الآخرين منه، ومن هذه الأمور الأمراض المنفرة والعيوب البيّنة التي قد تكون سبباً لابتعاد الناس عنه ونفورهم منه ... فقد نقّى الله تعالى أنبياءه كافة من كل أنواع العيوب والأمراض المنفّرة، قال تعالى: ﴿ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِي الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ ﴾.
6. العصمة: وهي صفة ملازمة لأنبياء الله كافة، فقد اصطفى الله الأنبياء من بني البشر، واختارهم خياراً من خيار لحمل رسالاته، قال تبارك وتعالى: ﴿ وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنْ الْمُصْطَفَيْنَ الأَخْيَارِ ﴾.
7. الذكورية: الرجال وحدهم من يُركن إليهم لحمل المسؤوليات الجسام، فهم أقوى وأصبر على تحمل المشاق، وهل من مسؤولية أثقل وأجسم من حمل رسالة السماء وإبلاغها لبني البشر؟ قال تعالـى: ﴿ إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً ﴾ ، ولذلك اختار الله تعالى رسله رجالاً، قال تبارك اسمـه: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ﴾.
مزايا دعوة الأنبياء
1. دعوة ربانية: كل دعوات الأنبياء دعوات ربانية وبتكليف إلهي، وكل الرسالات صدرت من معين علوي إلهي واحد، وعلى ذلك سبع أدلة وردت في القرآن الكريم:
• قال تعالى: ﴿ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ ﴾.
• قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ ﴾.
• قال تعالى: ﴿ اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ ﴾.
• قال تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا ﴾.
• قال سبحانه: ﴿ يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُوا أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاتَّقُونِ﴾.
• قال مولانا: ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى ﴾.
• قال تعالى: ﴿ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾.
2. الأنبياء لا يطلبون أجراً على الرسالة بل أجرهم من الله تعالى: الرسالة تكليف من رب العالمين لصفوة البشر لدعوة بني البشر وإخراجهم من الظلمات إلى النور، ولا بد لكل عمل من أجر.. إلا أن الأنبياء لا يطلبون أجراً من مخلوق، بل أجرهم على الله الذي كلّفهم برسالاته... وقد ورد في القرآن الكريم العديد من الأدلة على ذلك:
• قال تعالى على لسان نوح عليه السلام: ﴿ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِي إِلاَّ عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ﴾.
• وقال تعالى لنبيه يوسف عليه السلام: ﴿ وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ ﴾.
• ويقول سبحانه لنبيه محمد r:﴿ قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلاَّ مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً ﴾.
• ويقول تعالى على لسان نوح عليه السلام: ﴿ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِي إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾.
• وعلى لسان هود عليه السلام يقول سبحانه : ﴿ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِي إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾.
• وعلى لسان صالح يقول ربنا سبحانه وتعالى: ﴿ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِي إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾.
• وعلى لسان لوط عليه السلام يقول مولانا: ﴿ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِي إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾.
• وعلى لسان شعيب يقول تبارك اسمه: ﴿ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِي إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾.
• وقال رب العزة: ﴿ قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِي إِلاَّ عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾.
• وعلى لسان هود عليه السلام يقول مولانا: ﴿ يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِي إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلا تَعْقِلُونَ ﴾.
• وقال تعالى: ﴿ اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾.
• وقال سبحانــه : ﴿ ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ﴾.
• وعلى لسان نوح عليه السلام يقول تعالى: ﴿ وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِي إِلاَّ عَلَى اللَّهِ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ ﴾.
3. إخلاص الدين لله سبحانه وتعالى وإفراد العبادة له: أي الإخلاص التام والطاعة الكاملة والإنقياد الكلي لله سبحانه وتعالى، وإفراد العبادة لله عز وجل وعدم الاشراك به، قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾... وقال أيضاً: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾.
4. البساطة في الدعوة وعدم التكلف والتعقيد: التكلف والتعقيد في الشيء يؤديان إلى عدم قبوله، وأما البساطة والواقعية وعدم التكلف تؤدي إلى سهولة الفهم والاستيعاب وبالتالي إلى قبول إيجابي للأمر نتيجة قناعة تامة، وهكذا دعوة الأنبياء: بساطة وعدم تعقيد، وواقعية وعدم تكلف... قال تبارك وتعالى : ﴿قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُتَكَلِّفِينَ ﴾.. وقال أيضاً: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾.
وقال تبارك وتعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّي الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنْ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنْ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾... فهذا الحوار الذي دار بين نبي الله إبراهيم عليه السلام والنمرود، إنما يدل على مدى الفطانة والذكاء لدى إبراهيم عليه السلام، كما يدل على البساطة وعدم التعقيد في أسلوب الداعية الناجح، إذ أخذ الحجة على النمرود عندما ذكّره بقدرة الله تعالى على إحياء وإماتة الخلائق، كما ذكره بناموس من نواميس الكون الدالة على قدرة الله تبارك وتعالى، الخالق العظيم، الذي إذا أراد أمراً فإنما يقول له كن فيكون، إذ أبان له إبراهيم بأن الله تبارك وتعالى يأتي بالشمس من المشرق، ثم تحداه إبراهيم بلغة الداعية الواثق من ربه وصدق دعوته الخالصة لوجه الله جل شأنه، فما كان للنمرود إلا الفشل الذريع.
5. وضوح الهدف والغاية من الدعوة: لا قيمة لأي عمل على الإطلاق إذا لم يكن لتنفيذه والمضي في تحقيقه هدف نبيل، ودعوة الأنبياء دعوة واضحة وهدفها جلي: فهي دعوة صادقة للبشرية لعبادة الله وحده لا شريك له، والتزام أوامر الله تعالى واجتناب نواهيه، وإخراج البشرية من ظلمات الجهل إلى نور الإيمان، وكل هذه الأمور تؤدي بالتالي إلى سعادة البشرية بجوار الله تبارك وتعالى، الملك الديان الكبير المتعال... قال سبحانه وتعالى: ﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ ﴾. . وقال رسول الله r: ((لقد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك)).
6. الزهد في الدينا وإيثار الآخرة عليها: معروف بأن الدنيا دار ممر والأخرة دار مقرّ، وكل أعمال العبد في الدنيا محفوظة في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، وسيجزى المرء بأعماله: إن خيراً فخير وإن شراً فشر، والفائز من طلق الدنيا ثلاثاً لا رجعة فيها ليصيب الآخرة... وهكذا الأنبياء، طلقوا دنياهم فزهدوا فيها وآثروا الآخرة عليها، ليفوزوا بجوار ربهم في جنات الفردوس نزلاً... قال تعالـــــى: ﴿ لَكِنْ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلاً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلأَبْرَارِ ﴾... وقال رب العزة: ﴿ وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾. ... وقال تبارك اسمه: ﴿ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلا تَعْقِلُونَ ﴾.
7. التركيز على عقيدة التوحيد والإيمان بالغيب:
أولاً : عقيدة التوحيد: وهي الدعوة الخالصة لعبادة الله وحده، ونبذ كل وسائل الإشراك بالله تبارك وتعالى، وفي هذا المجال آيات كثيرة أذكر منها:
• قال تعالى: ﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾.
• قال تعالى: ﴿ وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ ﴾.
• وقال جل في علاه: ﴿ وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ ﴾.
• وقال أيضاً: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ ﴾.
• وقــال مولانــا : ﴿ وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُمْ مِنْ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ ﴾.
• وقال أيضاً: ﴿ وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾.
ثانياً: الإيمان بالغيب: الغيب كلّ ما عجز البصر عن مشاهدته، ومن الأمور الغيبية ما لا يحصيها عد: فمن آمن بالله تعالى فقد آمن بالغيب، ومن آمن بلقاء الله تعالى فقد آمن بالغيب، والإيمان بالرسل والكتب والملائكة وعذاب القبر والبعث والجنة والنار، كل هذه الأمور من أمور الغيب التي قال الله تعالى فيمن آمن بها: ﴿ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ﴾... وأنبياء الله الكرام في دعوتهم لربهم، كل منهم آمن بالغيب، ونتيجة لإيمانهم المطلق بهذا، أخذ الله على نفسه عهداً بتأييدهم، قال تعالى: ﴿ قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ ﴾ ، فإبراهيم عليه السلام كان مؤمناً إيماناً مطلقاً بالله تبارك وتعالى ومؤمناً بالغيب والقضاء والقدر، فكان إيمانه متكاملاً بأن الله وحده صاحب السلطة المطلقة والسيادة العظمى،وهو المهيمن على كل الوجود، ولهذا الإيمان فقد أوكل إبراهيم أمره إلى الله تبارك وتعالى، ونتيجة لذلك فقد انتزع الله من النار خاصية الحرق، فأصبحت بإذنه برداً وسلاماً على إبراهيم فلا يتأذى من البرد، وهذا ضرب من تأييد الله تعالى لأنبيائه الأوفياء... وقال تبارك اسمه: ﴿ وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ *إِنَّهُمْ لَهُمْ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُـم الْغَالِبُونَ ﴾.. وقال مولانا: ﴿ إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ﴾.
وظائف الرســل
1. دعوة الخلق إلى عبادة الله وحده:
• قال تبارك وتعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾.
• وقال أيضاً: ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾.
2. تبليغ أوامر الله تعالى ونواهيه إلى البشر:
• قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً ﴾ .
• وقال سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ﴾.
3. هداية الناس وإرشادهم إلى الطريق المستقيم:
• قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ﴾.
• وقال أيضاً: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً ﴾.
4. قدوة حسنة وأسوة صالحة:
• قال رب العزة: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً ﴾.
• وقال سبحانه وتعالى: ﴿ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمْ اقْتَدِهِ قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ ﴾.
5. التذكير بالنشأة والمصير وما بعد الموت من أهوال:
• قال تعالى: ﴿ يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنفُسِنَا وَغَرَّتْهُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ * ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ ﴾.
6. تحويل اهتمام الناس من الحياة الفانية إلى الحياة الباقية:
• قال سبحانه: ﴿ وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾.
• وقال أيضـاً: ﴿ اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾.
8. لئلا يكون لإنسان حجة على الله تبارك وتعالى:
• قال تبارك وتعالى: ﴿ إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً * وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً * رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لأَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً ﴾.
***********
الفصل الثاني عشر
● غزوتـــــان
ـ غزوة بدر الكبرى
ـ غزوة أحــــد
غزوتـــــان
غزة بدر الكبرى
غزوة بدر الكبرى هي أول معركة بين المسلمين وكفار قريش إذ ظهر فيها المسلمون لأول مرة كقوة عظيمة في جزيرة العرب يحسب لها ألف حساب، فقد سميت بهذا الاسم لأنها وقعت بالقرب من عين ماء تسمى (عين بدر)، كما سمي يوم وقعة بدر بيوم (الفرقان) لما ورد في قوله سبحانه وتعالى: ﴿ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ ﴾.
حدثت غزوة بدر في (17) رمضان من السنة الثانية للهجرة، وهذا التاريخ (أي 17 رمضان) هو اليوم الذي أبتدأ فيه نزول القرآن، وبين التاريخين – أي نزول القرآن وغزوة بدر – (14) سنة قمرية كاملة ، وهذا ضعف العدد (7).
لقد أسفرت المعركة عن انتصار المسلمين بقيادة رسول الله r ، إذ قتل من المشركين (70) سبعون كما أسر منهم (70) سبعون... أما شهداء المسلمين فكانـوا (14) أربعة عشر شهيداً، وكل ذلك من مضاعفات العدد (7) .. وفيما يلي أسماء شهداء المسلمين الذين عطرت دماؤهم الزكية ثرى أرض بدر.
1. شهداء المهاجرين: وعددهم ستة شهداء وهم:
عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب.
مهجع مولى عمر بن الخطاب.
ذو الشمالين بن عبد عمرو بن نضلة الخزاعي.
عمير بن أبي وقاص.
عاقل بن البكير.
صفوان بن بيضاء.
2. شهداء الأنصار: وعددهم ثمانية شهداء هم:
سعد بن خيثمة.
مبشر بن عبد المنذر.
عمير بن الحمام.
رافع بن المعلى.
حارثة بن سراقة بن الحارث.
عوف بن الحارث بن رفاعة بن عفراء.
معاذ بن الحارث بن رفاعة بن عفراء.
غزوة أُحــــد
بعد الهزيمة النكراء التي منيت بها قريش على يد رسول الله r وأصحابه في غزوة بدر الكبرى، ومقتل رجالات قريش وصناديدها وعلى رأسهم عدو الله أبو جهل بن هشام، أصرت قريش بزعامة أبي سفيان بن حرب على الثأر من المسلمين، فأعدوا العدة وجهزوا لغزو المدينة المنورة.
ولما علم الرسول r بخبر الغزو، استشار أصحابه فأجمعوا على الخروج إلى أحد للتصدي للغزاة، فكانت المعركة في السابع من شوال من السنة الثالثة للهجرة، فكانت الغلبة في بادئ الأمر للمسلمين، إلا أن مخالفة الرماة لأوامر القائد عليه السلام بتركهم أماكنهم في الجبل ونزولهم لجمع الغنائم قلب الميزان التعبوي في المعركة، إذ تمكن خالد بن الوليد –قبل إسلامه- من الالتفاف ثم السيطرة على الجبل، فساء موقف المسلمين، وكادت تدور الدائرة عليهم لولا فضل الله وعنايته، لأن الله ناصر عبده ومتم نوره ولو كره الكافرون... وقد استشهد من المسلمين في هذه المعركة (70) سبعون شهيداً من بينهم غسيل الملائكة (أنس بن النضر)، وصاحب العصابة الحمراء، عصابة الموت (أبو دجانة)، وعلى رأسهم أسد الله وأسد رسوله حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه، عمّ رسول الله r .
************
الفصل الثالث عشر
● العام السابع للهجرة
ـ غزوتــان
ـ سرايـــــا
ـ تشريعــات
ـ زواجـــــان
ـ عمرة القضـــاء
ـ وفــــدان
ـ رسائل نبويــة
ـ قادة ثلاثـــة
العام السابع للهجرة
غـــزوتـــــان
1. غزوة خيبر: في محرم من السنة السابعة للهجرة، أمر عليه الصلاة والسلام بالتجهيز لغزو يهود خيبر، الذي كانوا أعظم مهيج للأحزاب ضد رسول الله r في غزوة الخندق. تحرك جيش المسلمين بقيادة رسول الله r وكان قوامـه (1500) ألف وخمسمائة مقاتل، وقد حمل علي بن أبي طالب كرم الله وجهه راية رسول الله البيضاء، وسار الجيش سالكاً طريق جبل يدعى (عصر) بين وادي الفرع والمدينة، وما أن وصل الجيش المصطفوي خيبر حتى فرض عليها حصاراً شديداً، وأخيراً استسلمت المدينة وفتحت أسوارها لرسـول الله r .
• فـــدك: أما أهل فدك، فبعد أن فتح الله على المسلمين في خيبر، أرسل رسول الله r من يطلب من يهود فدك الانقياد والطاعة، فاستسلموا ووافقوا على الجلاء حقنا لدمائهم.. وقد طلب أهل خيبر أن يعاملهم رسول الله r على النصف في أموالهم، فأرتضى لهم ذلك، واعتبرت (فدك) فيئاً خاصاً برسول الله r ، ومدينة خيبر فيئاً للمسلمين.
• وادي القرى: وفي طريق العودة من خيبر، مرّ رسول الله r بوادي القرى فأعترضه بها اليهود مع أحلاف لهم من الأعراب، فدعاهم عليه الصلاة والسلام إلى الإسلام فرفضوا، فتقدم جيش المسلمين للمبارزة فقتل من اليهود أحد عشر رجلاً، ثم اقتحم عليهم المسلمون واضطروهم إلى الاستسلام.
• صلح تيماء: لما بلغ يهود تيماء ما فعله المسلمون بيهود خيبر، صالحوا رسول الله r على دفع الجزية.
2. غزوة ذات الرقاع: في أواخر ربيع الثاني من السنة السابعة للهجرة، خرج رسـول الله r ومعه نفر من الصحابة رضوان الله عليهم، واستخلف على المدينة أبا ذر الغفاري رضي الله عنه، خرج عليه الصلاة والسلام بصحابته إلى طريق نجد لتأديب بعض الأعراب المنتشرين في الطريق إلى (عسفان)، وما أن وصل موضعا بين (ضجنان وعسفان) حتى واجههم قوم من المشركين، فارتعب المسلمون لأن المشركين كانوا أكثر منهم عدداً، وهمّ القوم لاستغلال فرصة انصراف الرسول وصحبه إلى الصلاة فيميلون عليهم ميلة واحدة، لكن الله تعالى بثّ الرعب في نفوس المشركين، وأنصرف المشركون في رهبة، وعاد الرسول وصحبه إلى المدينة بعد رحلة مضنية... وقد سميت (ذات الرقاع) لما رواه الإمام البخاري عن أبي موسى الأشعري قال: (خرجنا مع رسول الله r في غزاة ونحن ستة بيننا بعير نعتقبه، فنقبت أقدامنا، ونقبت قدماي وسقطت أظفاري، وكنا نلف على أرجلنا الخرق، فسميت ذات الرقاع لما كنا نعصب من الخرق).
سرايــــا
1. سرية إلى هوازن: في شعبان من السنة السابعة للهجرة، أرسل رسول اللهr بسرية من ثلاثين جندي بقيادة عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى قبيلة هوازن الذين كانوا لا يتورعون عن الاعتداء على المسلمين ومؤازرتهم المشركين عليهم، وعندما وصلوا إلى ديارهم، لم يجدوا أحداً منهم، ثم عاد عمر بن الخطاب وصحبه إلى المدينة.
2. سرية إلى بني كلاب: في سلسلة الحملات التأديبية على القبائل التي تتحدى المسلمين، أرسل رسول الله r سرية بقيادة أبي بكر الصديق رضي الله عنه إلى بني كلاب في شهر شعبان من العام السابع الهجري، حيث سبى وقتل عدداً من المشركين.
3. سرية إلى فدك: في شعبان من السنة السابعة للهجرة أرسل رسول اللهr سرية من ثلاثين جندي بقيادة بشير بن سعد إلى بني مرّة بالقرب من فدك، فلم يجدوا إلا الإبل والشاء فاستولوا عليها، وبينما هم في طريق عودتهم إلى المدينة، تعقبهم بنو مرّة ورموهم بالنبل، ثم جرت حرب بني الطرفين، فقتل جند بشير كلهم ولم ينج إلا بشير، إذ تماوت حتى انصرف الأعداء، ثم تحامل على نفسه وقصد صديقاً له بخيبر فتداوى عنده، ثم عاد إلى المدينة، فقص على رسول الله r ما حدث لهم، فترحم عليه الصلاة والسلام على الشهداء.
4. سرية إلى أهل الميفعة: في رمضان من العام السابع الهجري، أرسل رسول الله r مائة وثلاثين جندياً بقيادة غالب بن عبد الله الليثي إلى بني عبد ثعلبة وبني عوال بالميفعة، فأدركوا القوم وهاجموهم وقتلوا منهم البعض وهرب الآخرون، فأستولى المسلمون على الغنائم وعادوا بها إلى المدينة.
5. سرية إلى غطفان: في شوال من السنة السابعة للهجرة أرسل عليه الصلاة والسلام بشير بن سعد في ثلاثمائة رجل بعد أن أبلغه عليه الصلاة والسلام بأن (عيينه بن حصن) اتفق مع جماعة من بني غطفان للإغارة على المدينة، فساروا إليهم فظفروا بنعم وغنائم.
6. سرية إلى بني سليم: في ذي الحجة من العام السابع الهجري، أرسل عليه الصلاة والسلام بابن أبي العوجاء السلمي على رأس خمسين جندي إلى بني سليم لعرض الإسلام عليهم أو قتالهم، فرفضوا الإسلام، ووصلت الامدادات إلى بني سليم وقضوا على المسلمين ولم ينج منهم إلا أبي العوجاء، إذ اختفى بين القتلى حتى اختفى المشركون، فقام يزحف ويستدبر أمره عائداً إلى المدينة حتى وصلها بعد شهرين.
تشريعـات
1. النهي عن زواج المتعة : زواج المتعة هو الزواج لأجل، وقد نهى عنه r في السنة السابعة للهجرة وهو في خيبر.
2. ذبح الحمر الأهلية: عند حصار المسلمين لحصن (القموص) أقوى حصون خيبر، إذ استمر حصاره عشرين يوماً، أرهق المسلمون وأجهدوا من شدة الجوع، فذبحوا الحمر الأهلية فنهاهم رسول الله r عن أكلها. عن عبد الله بن أبي سعيد عن أبيه قال: (أتانا نهي رسول الله r عن أكل الحمر الأنسية والقدور تفور بها فكفأناها على وجوهها).
3. النهي عن أربع: ورد في حديث مكحول أن رسول الله r نهاهم في حصار خيبر عن : (عن إتيان الحبالى من السبايا، وعن أكل الحمار الأهلي، وعن أكل كلّ ذي ناب من السباع، وعن بيع الغنائم حتى تقسم).
زواجـــــــان
1. صفية بنت حيي بن أخطب: كانت صفية من بين سبايا خيبر، واختص بهـا رسـول الله r نفسه وأعتقها وحجبها ليتزوج بها، وقد جهزتها له (أم سليم) ودخل بها قبل دخوله للمدينة ... (وورد أن صفية رضي الله عنها جاءت مرة تبكي واشتكت إلى رسول الله r أن (عائشة وحفصة) رضي الله عنهما ينالان منها بأنهما خير منها وأنهما بنات عــم رسول الله r ، فقال لها: قولي لهن: كيف تكن خيراً مني وأبي هارون وعمي موسى عليهما السلام، وزوجي محمد r ).. وتوفيت صفية سنة خمسين للهجرة في عهد معاوية بن أبي سفيان، رضي الله عنها وأرضاها.
2. ميمونة بنت الحارث: هي (برّة) بنت الحارث بن حزن من بني عامر بن صعصعة، وقد أبدل الرسول r اسمها إلى (ميمونة) ، وهي خالة عبد الله بن عباس وخالد بن الوليد رضي الله عنهم، وأخت أسماء وسلمى ابنتي عميس، وزينب بنت خزيمة من الأم. وقد تزوجها r في ذي القعدة من السنة السابعة للهجرة أثناء تأديته لعمرة القضاء، ثم دخل بها بعد خروجه من مكة في مكان يدعى (سرف) قرب التنعيم – كما ذكر في الفصل الخامس من هذا الكتاب، وقد توفيت رضي الله عنها وأرضاها سنة واحد وخمسين للهجرة ودفنت في سَرَف.
عمرة القضــــــاء
في شهر ذي القعدة من العام السابع الهجري خرج رسول الله r – بعد أن وضعت الحرب بصلح الحديبية – ومعه ألفان من المسلمين عدا النساء والصبيان، ليعوض عمرة العام الذي مضى، واستخلف على المدينة عويف بن الأضبط الديلي. وصل النبي r ومن معه مكة المكرمة وأدوا مناسك العمرة ومكثوا فيها ثلاثة أيام ثم غادروها عائدين إلى المدينة المنورة فوصلوها في أوائل ذي الحجة من العام نفسه. وقد روي بأن النبي r قد احتاط لأي طارئ قد يحدث من قريش، فأصطحب معه السلاح وأكثر من مائة من الخيل إلى جانب النوق والهدي، وأمر بأن يترك السلاح (ببطن يأجج) وعليه حراس يقومون بالتناوب ليتسنى للجميع تأدية مناسك العمرة.
وفـــــــــــدان
1. وفــد دوس: الطفيل بن عمرو الدوسي، أسلم قبل الهجرة، وقد وفد مع وفد من قومه يبلغ أربعمائة رجل على رسول الله r وهو في غزوة خيبر، وأعربوا عن ولائهم لرسـول الله r وبايعوه بالاسلام. أما الطفيل، فقد بقي مع رسول الله عليه الصلاة والسلام إلى ما بعد الفتح، إذ طلب من النبي عليه السلام أن يبعثه لهدم صنم قومه دوس والمعروف باسم (عمرو بن حممة) فأذن له المصطفى بهدمه وحرقه وهو يقول:
يا ذا الكفينِ لستُ مِنْ عِبادِكَا
ميلادُنا أقدَمُ مِنْ مِيلادِكَــــــــــــــــــــــا
إني حَشوْتُ النارَ فـــــــي فؤادِكَا
2. وفــد الأشعريين: وهم قوم أبي موسى الأشعري وينسبون إلى (أشعر بن أدد)، وقد جاء يرأس قومه من اليمن فأعلنوا اسلامهم أمام رسول الله r ، وقد روى أنس بن مالك رضي الله عنه بأن رسول الله r قال لصاحبته: (( يقدم عليكم قوم هم أرق منكم قلوباً))، فقدم الأشعريون.
رسائــل نبويـــة
بعد صلح الحديبية، حيث استتب الأمر للمسلمين، وأصبح للجيش الإسلامي السيطرة التامة على منافذ المدينة المنورة، بدأ المصطفى r بكتابة رسائله إلى الملوك والأمراء في عصره يدعوهم للإسلام، وكانت هذه الرسائل تختم بخاتم رسول الله r الذي اتخذه من الفضة وعليه اسمه (محمد رسول الله) بثلاثة أسطر تقرأ من أسفل إلى أعلى هكذا: وتالياً موجزاً عن هذه الرسائل:
1. إلى هرقل ملك الروم: وقد حمل الكتاب الصحابي الجليل (دحية الكلبي)، ورغم اقتناع القيصر بصدق نبوة محمد r ، إلا أن حرصه على حكمه ورعيته حال بينه وبين الإسلام.
2. إلى النجاشي ملك الحبشة: أرسل رسول الله r كتاباً إلى النجاشي ملك الحبشة واسمه (أصحمة)، وقد حمل الكتاب (عمرو بن أمية الضمري)، وأستقبل النجاشي الكتاب بحفاوة وتكريم بالغين، وأسلم النجاشي. ولما توفاه الله تعالى، صلى عليه رسول الله r صلاة الغائب.
3. إلى المقوقس ملك مصر: كان المقوقس حاكماً لمصر من قبل القيصر في الشام، وقد أرسل له رسول الله r كتاباً مع الصحابي (حاطب بن أبي بلتعة)، فأكرم المقوقس رسول رسول الله، وكتب جواباً لطيفاً أرسله مع حاطب ومعه هدايا إلى رسول الله r، ومن بين الهدايا جاريتين، إحداهما (مارية القطبية) حيث تزوجها رسول الله r ورزق منها بإبنه إبراهيم، بينما أهدى الأخرى إلى حسان بن ثابت.
4. إلى كسرى ملك الفرس: وأرسل رسول الله r بكتاب إلى كسرى ملك الفرس مع (عبد الله بن حذافة السهمي)، وما أن وصل ابن حذافة بالكتاب إلى كسرى حتى تسلمه كسرى ومزق الكتاب، ولما عرف رسول الله بذلك قال: (( مزق الله ملكه كل ممزق))، وكانت أول مملكة كافرة تسقط بيد المسلمين هي مملكة فارس.
5. إلى ملكي عُمان: كان في عمان ملكان هما: (جيفر وعبد ابنا الجلندي)، فأرسل الرسول r لهما كتاباً مع الصحابي الجليل (عمرو بن العاص) يدعوهما للإسلام، فأسلما وأسلم قومهما.
6. إلى المنذر ملك البحرين: أرسل رسول الله r بكتابه إلى المنذر بن ساوى التميمي ملك البحرين يدعوه للإسلام، وقد حمل الكتاب الصحابي (العلاء بن الحضرمي)، وما أن قرأ المنذر الكتاب حتى انشرح صدره للإسلام فآمن.
7. إلى هوذة حاكم اليمامة: بعث رسول الله r بكتاب إلى هوذة بن علي الحنفي حاكم اليمامة يدعوه فيها للإسلام، وقد حمل الكتاب الصحابي (سليط بن عمرو العامري)، فلم يقتنع هوذة بالأمر بل ازداد تعنتاً وتمسكاً بمنصبه، وطلب من رسول الله إشراكه في النبوة، فقال رسول الله r : (( لو سألني سيابة في الأرض ما فعلت، باد وباد ما في يده))، ومات هوذة على شركه: وعن اليمامة قال رسول الله r : ((أما أن اليمامة سيظهر بها كذاب يتنبأ، يقتل بعدي))، فظهر مسيلمة الكذاب.
8. إلى الحارث أمير دمشق: حمل الصحابي (شجاع بن وهب) كتاب رسول الله r إلى الحارث بن أبي شمر أمير دمشق، وما أن تسلم الرسالة حتى ألقى بها وصاح مستكبراً: من ينزع الملك مني؟... وأستأذن القيصر بإرسال جيش لمحاربة رسول الله r ، إلا أن القيصر نصحه بالعدول عن فكرة الحرب، ثم عاد الحارث فأكرم شجاعاً وقدم له كسوة ونفقة وودعه بهدوء.
قادة ثلاثـــة
في السنة السابعة للهجرة، وبعد فتح خيبر، دخل الإسلام ثل