في الذاكره ايام ومواقف ورجال

: أهم الأخبار :
هي ذكرى استشهاد سيد شباب اهل الجنه
الإمامُ الحسين ابن علي عليهما السلام
مهما حاول الإنسان أن يتحدث عن واقعة كربلاء وما جرى فيها على أهل بيت النبوة من قتل وسبي وتعذيب، ومن صور مؤلمة وموجعة، لا يستطيع أن يفي تلك الواقعة حقها، لأن ما حصل فيها أكبر من الكلمات مهما عليهما دلالاتها قوية ومعبرة.
ولم تكن تلك الواقعة التي نهض فيها الإمام الحسين مع مجموعة من أهل بيته وقلة من أصحابه عبارة عن ثورة أشخاص طلبوا الشهادة فقط في سبيل الله، بل لأن الأمة وقتها أصابها ما أصابها من الانحراف والبعد عن كتاب الله وهدي رسوله صلى الله عليه وآله وسلم؛ وموت الضمائر؛ واضمحلال الفضائل؛ وشهوة السلطة؛ وبيع الدين بالدنيا، لهذا خرج الإمام دفاعاً عن الدين وسعيا لإصلاح الأمة؛ وإيقاظها؛ وتنبيهها إلى فداحة الخطر الذي يتهددها؛ مهما كان الثمن.
لقد أدرك الإمام أن الإسلام في خطر، وأنه لا بد من بعث الروح في الأمة من جديد، حتى لو كان ثمن ذلك روح الحسين ودمه وأولاده وأهله، وهذا ما جرى بالفعل.
يقول الإمام الحسين " ألا إني لم أخرجأ شراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، أريدأن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر ".
ويقول: " موتٌ في عزٍّ خيرٌ من حياةٍ في ذل ".
مواجهة الخطر الداخلي والتحصين من الخطر الخارجي:
كان من أهداف الإمام الحسين رضي الله عنه مواجهة الخطر الداخلي على الإسلام، فحاول الإمام توجيه الأمة للوقوف في وجه ذلك الخطر، وليحصنها من الخطر الخارجي المحدق بها، وهو خطر الدولة الرومانية التي كانت تستهدف الإسلام، حيث استطاع الروم أن يتغلغلوا في صفوف الأمة الإسلامية من خلال الكُتّاب والصُّنَّاع والمنجِّمين والأطباء ...إلخ؛
واتسعت رقعة الجهل بالدين بين المسلمين؛ فتجد الناس يحفظون قصص الشعراء المغرمين والملوك، بينما يجهلون القضايا المهمة؛ ويُحال بينهم وبين التعرف الحقيقي على صور القدوة الحسنة من أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه الهادين المهديين رضي الله عنهم.
ويوضح ذلك ما وصف به قائل بني أمية جيش الشام لعمار بن ياسر رضي الله عنه - قبل مقتل الخليفة الثالث عثمان به عفان رضي الله عنه - بقوله: يا عمّار؛ إن بالشام مائة ألف فارس، كلٌّ يأخذ العطاء مع مثلهم من أبنائهم وعبدانهم، لا يعرفون عليًّا ولا قرابته، ولا عمّاراً ولا سابقته، ولا الزبير ولا صحابته، ولا طلحة ولا هجرته، ولا يهابون ابن عوف ولا ماله، ولا يتّقون سعداً ولا دعوته، هم لا يعرفونه الإسلام ولا أصحاب الفضل، ولا يعرفون إلا العطاء.
ولذلك كان قتل الإمام الحسين مصدرا لنشوة بعض الناس؛ حتى وصل الأمر بهم كما قال القائل:
جاءُوا بِرَأْسِكَ يا ابْنَ بِنْتِ مُحَمّدٍ
مُتَـزَمِّـلاً بِدِمائِهِ تَزْمِيــــلا
ويُكَبِّـرونَ بِـأَنْ قُتِلْـتَ وإنّمــا
قَتَلوا بكَ التّكْبيرَ والتّهْليلاَ
هذا في الوقت الذي كان يبكي فيه رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ كما أورد الحاكم في المستدرك عن أم سلمة رضي الله عنها: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام يبكي وعلى رأسه ولحيته التراب، فقلت: ما لك يا رسول الله؟ قال: ( شهِدتُ قتلَ الحسين آنفا ).
رُوحُ الانتماءِ للدينِ تُبَثُّ في الأمةِ من جديد:
لقد استطاع الإمام الحسين عليه السلام أن يبث في الأمة روح انتمائها لدينها من جديد؛ ومن مظاهر ذلك ما يلي:
الحرّ بن يزيد؛ كان يقود ألفا من جنود بني أمية؛ والتقى بركب الإمام الحسين واضطره للنزول في كربلاء.
فلما اتضحت له عدالة قضية الإمام الحسين؛ ورأي القوم مصممين على مقاتلة الإمام بغيا وظلما؛ اقترب من قائد جيش بني أمية – عمر بن سعد – وصاح به: أمقاتل أنت هذا الرجل؟ قال ابن سعد: نعم والله، قتالا أيْسَرُه أن تُبتر الأيدي وتطوح الرؤوس، قال الحر: أو لستم تاركيه يرجع إلى حيث أتى أو يضرب كما قال في الأرض العريضة؟ قال ابن سعد: لو كان الأمر بيدي لفعلت، ولكن ابن زياد يأبى عليّ، فصاح الحر – وهو يدفع جواده نحو صفوف الحسين -: إذن فقاتِلْني معه.
ونزل من فوق جواده يعانق الحسين، ودموعه تتفجر من مآقيه، ويقول له:قد كان منِّي بالأمس ما كان، وقد استبان لي حقك، فجئتُك أفتديكَ بنفسي، أفَتَرى في ذلك توبة لي مما صنعتُ؟.
فأجابه الإمام الحسين وهو يضمه إلى صدره النبيل: إنها خير توبة، فأنت الحر في الدنيا، وأنت الحر في الآخرة إن شاء الله.
وبعد فاجعة كربلاء قدمت رؤوس الشهداء إلى يزيد بن معاوية، فجعل يزيد ينكث في ثغر الإمام الحسين بقضيب كان في يده، وكان أبو برزة صاحب النبي حاضرا هذا المجلس، فقال ليزيد:لا تفعل هذا، فربما رأيتُ شفتي رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا الثغر مكان هذا القضيب، ثم قام فانصرف.
وسُمِعت الصرخة في بيت يزيد من هول المصيبة.
وتغيرت مواقف، وتبدلت أفكار، وعلت أصوات تجهر بكلمة الحق:
وقف زيد بن أرقم – رغم كهولة سنه ووهن جسمه - يصرخ في أهل الكوفة: يا معشر العرب الذين صرتم عبيدا؛ أتقتلون ابن فاطمة وتُؤمِّرون ابن مرجانة؟.
ووقف عبد الله بن حنيف الأزدي؛ لا يمنعه ذهاب بصره وضعف شيخوخته؛ فيصيح بابن زياد أمام الملأ من الناس: يا ابن مرجانة؛ أتقتل أبناء النبيين ثم تقوم على المنبر مقام الصديقين؟ ألا إن الكذاب لهو أنت وأبوك؛ والذي ولاك وأبوه.
وتنهض في الكوفة كتائب التوابين مُقْسِمَة أن تَهَب حياتها لثأر الحسين.
وتشتعل الثورة عارمة في مكة وفي المدينة؛ حيث يجرد لها يزيد من جنده وقواده من ينزلون بالحرمين المقدسين من الدمار والقتل وأنواع الجرائم ما لا يوصف.
وسبحان مَن يُخْرِج الحيَّ من الميت...
لقد وصل الأمر إلى أن تبرأ معاوية بن يزيد بن معاوية من فعل أبيه وجدّه واعتزل الملك؛ فقبل أن يموت يزيد في العام الرابع والستين للهجرة، خَلَع المُلكَ على أكبر أبنائه – معاوية - الذي عرف باسم: معاوية الثاني.
وكان معاوية هذا شابا تقيا ورعا عابدا، وعلى الرغم من أنه تسلم الملك شابا لم يجاوز الخامسة العشرين، فلم يلبث في منصبه إلا بضعة أشهر حتى ضاق به، ودعا المسلمين في مؤتمر مشهود ونهض يخطب الجمع الحاشد فقال:
"أيها الناس، إن جدي معاوية نازع الأمر أهله ومن هو أحق به منه لقرابته من رسول الله وسابقته في الإسلام وهو: على بن أبي طالب، ولقد ركب بكم ما تعلمون حتى أتته منيته، فصار في قبره رهين أعماله.
ثم تقلد أبي- يزيد - الأمر من بعده، فكان غير أهل له، ركب هواه، وأخلفه الأمل، وقصر به الأجل، ثم صار في قبره رهين ذنبه وأسير جرمه.
إن من أعظم الأمور علينا علمنا بسوء منقلبه وقد قتل عترة رسول الله، وأباح الحرم، وخرَّب الكعبة.
وما أنا بالمتقلد أمركم، ولا بالمتحمل تبعاتكم، فاختاروا لأنفسكم.
والله لئن كانت الدنيا خيرا فلقد نلنا منها حظا، ولئن كانت شرا فكفى ذرية أبي سفيان ما أصابوا.
ألا فليُصَلِّ بالناسِ حسان بن مالك، وشاورا في خلافتكم، يرحمكم الله".
ثم غادر منبره إلى داره، ولبث بها عاكفا على عبادة الله حتى لقيه راضيا مرضيا.
ويعلق خالد محمد خالد بعد أن روي ذلك في كتابه: "أبناء الرسول في كربلاء" بقوله: إن هذه الكلمات التي قالها معاوية الثاني ابن يزيد وحفيد معاوية بن أبي سفيان لتشكل برهانا باهرا على عدالة القضية التي هي في غنى عن كل برهان.
نحن مُطالَبُون بالاهتمام بما يجب علينا:
والآن؛ فلنفوِّضْ أمر الخلق جميعا إلى الله تعالى، ولنَتْلُ قولَه جل شأنه: (تلكَ أمةٌ قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تُسألون عما كانوا يعملون) فنحن مطالبون بأن نهتم بما وجب علينا لنحيا برسول الله وتحيا الأمة كلها به صلى الله عليه وآله وسلم.
إن ذكرى الإمام الحسين عليه السلام, ليست مجرد ذكرى نحييها، ولا يجوز لنا أن نتعامل معها بطريقة تغرقنا بالعواطف والانفعالات المجردة، فالعاطفة المجردة بلا وعي عميق قد تضر ولا تنفع؛ إلا إذا صاحَبَ العاطفةَ وعيٌ رشيدٌ يحصن الأمة من الانحراف، وسيرة أهل البيت مدرسة للحياة نتعلم منها ونعمل بما يحقق فينا معنى قول الله تعالى: ( قُلْ إن كُنتُم تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبعُوني يُحْببْكُم اللهُ ويَغْفِرْ لكم ذُنُوبَكُم واللهُ غفورٌ رَّحِيم ).
إن المحبة يجب أن تُثمِر ثمارها الطيبة؛ فتُترجَم إلى واقع يشمل أقوالنا وأفعالنا وأحوالنا وأخلاقنا ومعاملاتنا.
إننا مطالَبون بالعمل بوصية أبي بكر الصديق رضي الله عنه فيما أورده عنه البخاري: " ارقُبُوا محمداً صلى الله عليه وسلم في أهلِ بيته " والمراقبة للشيء: المحافظة عليه، يقول الحافظ ابن حجر في الفتح: احفظوه صلى الله عليه وسلم فيهم، فلا تؤذوهم ولا تسيئوا إليهم.
ونحن مطالبون بمعرفة فضل أهل البيت النبوي وعظم قدرهم الذي أقر به سلفنا الصالح من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ يتجلى هذا فيما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأورده ابن الجوزي كما ذكر توفيق أبو علم - في كتابه "الحسين بن عليّ" -: عن ابن عباس قال: "كان عمر بن الخطاب يحب الحسن والحسين ويقدمهما على ولده، ولقد قسم يوما فأعطاهما عشرين ألف درهم، وأعطى ولده عبد الله ألفَ درهم، فعاتبه ولدُه وقال: قد علمتَ سبقي في الإسلام وهجرتي وأنت تفضِّل عليّ هذين الغلامين، فقال: ويحك يا عبد الله، ائتِنِي بجَدٍّ مثل جَدِّهِما وأنا أعطيكَ عطاءَهما ".
ونحن مطالبون أن نعمل بوصية أهل البيت: كونوا زَيْناً لنا ولا تكونوا شَيْناً علينا. ولسان حالهم وقالهم ينادي الأمة: أحيُوا أمْرَنا؛ فرحِمَ اللهُ من أحيا أمْرَنا.
وإحياء أمرهم معناه التمسك بطاعة الله والالتزام بمنهج الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم؛ في معية ورثته من الأئمة المجدِّدين؛ عقيدة وعبادة ومعاملة وخلقا.
إن المحبَّ الحقيقيّ هو الذي يَصْدُق إذا حدّث، ويفي إذا وعد، ويؤدي إذا اؤتُمِن، ويحفظ فرجه، ويغضُّ بصره، ويكفُّ يده، لا يكذب، ولا يخون، ولا يغش، ولا يغتاب غيره، ولا يبهت أحدا، يخلص في عمله، ويسعى لإصلاح ذات البين، ويكون همه الآخرة، ويبتعد عن حب الدنيا ولا ينازع من أجل مناصبها، يعبد الله مخلصا له الدين، ويقيم الصلاة في نفسه وأهله ومجتمعه سلوكا وخلقا، ليكون المجتمع كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا.
نحن بحاجة إلى أخلاق الإمام الحسين الذي أمّ أصحابه في صلاة الفجر يوم استشهاده؛وبعد الصلاة بكى؛ فسألته أخته السيدة زينب رضي الله عنها: يا ابن بنت رسول الله؛ أتبكي خوفا من لقاء الله؟ فيجيبها الإمام: والله يا أختاه ما أبكي خوفا من لقاء الله؛ ولكني أبكي حزنا على أربعة آلاف يقتلونني فيعذبهم الله بسببي.
بتلك المعاني وأمثالها نحيي ذكرى الإمام الحسين فينا؛ ونُترجم عن محبتنا لله تعالى وللنبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته ترجمة صادقة، تلك المحبة التي هي سر الوصول وبها نوال الآمال؛ كما يقول الإمام أبو العزائم في صدر إحدى قصائده:
سرُّ الوُصُولِ إلى الجنابِ العالِي
حُبُّ النبيِّ محـــمدٍ والآلِ
تُعطَى القبولَ وتُرْفَعَن لجنابــِـه
وتنالُ ما ترجوه مِن آمــالِ
والفضلُ لا يُعطَى لعِلَّةِ عامـــلٍ
نَزِّهْ إلهَكَ عن سِوًى ومِثالِ
وفَّقَنا اللهُ تعالى لما يحب ويرضى، وجعلَنا من السعداء في الدنيا والآخرة، اللهم صلِّ على سيدِنا محمدٍ وآلِه وسلِّم، وأعطنا الخير، وادفع عنا الشر، ونجِّنا واشفنا يا ربَّ العالمين.
امين