أول مساهمة .. الحرية .. والخوف

قبل أن أقدم لكم مشاركتي الأولى المتواضعة اسمحوا لي أن أقول عدة آراء حول المنتديات العربية .. رغم أنني أمارس الابحار على صفحات النت منذ عشر سنوات أو أكثر فإنني لم أشارك بأي منتدى من قبل .. لكن صديقة غالية طلبت مني المساهمة وطرح أفكاري ففكرت وقلت لنفسي لأجرب .. أما لماذا لم أشارك من قبل فهناك عدة أسباب أولها عدم الجدية في الكثير من المنتديات والاهتمام بالمواضيع الضحلة والأخبار السخيفة .. وثانيها النقل المتكرر للمواضيع بطريقة لاتحترم جهد كاتب المشاركة .. وثالثها اللغة الركيكة التي تكتب بها المساهمات وانتشار المفردات العامية وخصوصاً الخليجية .. ورابع الأسباب تلك الردو والتعليقات على المواضيع حيث تتمثل في الإعجاب الشديد وعبارات مجاملة كاذبة مثل : رائع .. وخارق .. وبياخد العقل .. أو تلك الكلمة التي قد تكون الأكثر استخداماً على الإطلاق وهي : مشكووووووووووووووووووووور .. طبعاً يتم كتابة حرف الواو عدة مرات لتأكيد عمق الشكر! ..
المهم .. أعرف أنني أطلت في مقدمتي للمساهمة الأولى .. ولكن كان من الضروري أن أعبر عن رأيي أمامكم ..
***************************************************
مساهمتي قصة حدثت في ... هل يهم المكان ؟ لا أعتقد ! وكذلك الزمان فهو غير مهم !
قصتي عن أميرة طيبة القلب اسمها نور كانت تعيش في قصر واسع حدائقه مترامية الأطراف .. لديها كل ماتحلم به فتاة في سنها .. ملابس وألعاب ووصيفات ..كانت تدرس العلوم والشعر والموسيقا والرقص .. كيف لا وقد كانت الابنة الوحيدة لملك البلاد .. كان الجميع يحبها فهي لطيفة ومتواضعة ورقيقة كأنها فراشة ..
لكن الزمن عبس في وجهها ذات يوم وهي لم تبلغ السادسة عشرة من عمرها .. فقد مرض الملك مرضاً شديداً أقعده عن إدارة شؤون البلاد .. فأسرع قائد الجيوش للتحكم بمقاليد الشعب .. مدعياً أن ذلك أمر مؤقت وأنه لايرغب في السلطة وسوف يبتعد عندما تتحسن صحة الملك وإلا فإنه سوف يبقى في السلطة حتى تبلغ الأميرة نور عامها الثامن عشر وتصبح الملكة ..
كان قائد الجيوش قاسياً وطماعاً ويضمر في نفسه نوايا شريرة .. ولم يلبث أن أصدر بياناً أعلن فيه أن الأميرة استبد فيها الحزن على أبيها ولاتريد تولي ملك البلاد بل تريد الاعتزال وأنها تتنازل عن الحكم لقائد الجيوش .. أما حقيقة الأمر فإنه كان قد أرسل تحت جنح الليل بعضاً من جنوده إلى جناح الأميرة .. وطلبوا منها أن ترافقهم على عجل .. ولم يتركوا لها فرصة للاعتراض أو النقاش .. فقد عصبوا عينيها .. واقتادوها عبر الغابة إلى مكان بعيد خلف النهر .. وعندما وصلوا أخبروها أنها ستقضي بقية عمرها في برج محاط بالماء من كافة الجهات .. ليس له إلا بوابة وحيدة عليها سيعة أقفال .. أما غرفتها فهي في قمة البرج .. لايمكن الوصول إليها سوى عبر سلم خشبي يتم إبعاده حالما تصعده وتصل غرفتها .. ويالها من غرفة! جدران حجرية قاسية .. نوافذ صغيرة .. سرير خشبي وكرسي قديم ..
ترك الجنود المسكينة نور وحيدة .. خائفة .. يائسة .. أخذت تبكي بصمت .. لم تأكل شيئاً من الطعام الذي وضعوه فوق الطاولة ..حتى حل الظلام .. أشعلت شمعة وبقيت تحدق في لهبها المتراقص حتى بدأ الفجر يرسل خيوطه الأولى عبر نوافذ الفجر ..
مرت الأيام والأميرة نور على هذه الحال .. وحيدة .. لاتشاهد أحداً أو تسمع أحداً سوى طرقاَ على جدار البرج يخبرها كل أسبوع أن تدلي سلتها من النافذة لتأخذ الطعام والماء .. كانت تمضي وقتها في قراءة الكتب .. وكتابة مايخطر في بالها على أوراق صفراء .. لم تعد تحلم .. لم تعد تتمنى شيئاً .. سجنت نفسها ضمن جدران اليأس وكأن جدران الغرفة ليست كافية لتقيد حريتها ..
لم تعرف كم سنة مرت عليها وهي على هذه الحال .. لايؤنس وحشة أيامها إلا طيور حمام اعتادت الوقوف على نافذتها كي تقتات كسر الخبز التي تضعها لها .. كانت تكلمها وتبثها شكواها .. وذات يوم خطر في بالها أن تكتب شيئاً مما يخطر في وجدانها على قصاصة صغيرة وأن تربطها برجل إحدى الحمائم ...
كانت تسهر كل ليلة تكتب وتكتب حتى إذا حل الصباح وأقبلت طيور الحمام أسرعت كي تفك الخيط عن قصاصة اليوم السابق وتربط قصاصة جديدة .. فلم يكن أحد يشاهد قصاصاتها ليقرأها ..
ولكن ذات يوم عادت الحمامة بقصاصة زرقاء .. ليست من تلك التي تكتب عليها الأميرة نور .. أخذت تفتحها بيدين مرتجفتين .. كانت مكتوبة بخط أنيق وتفوح منها رائحة الياسمين .. آه كم اشتاقت لتلك الرائحة .. قرأتها مراراً حتى حفظتها عن ظهر قلب ..
" صباحك سكر أيتها المجهولة .. أنا فارس من جبل السنديان .. اسمي بدر .. قرأت الأحرف المخطوطة على قصاصتك .. شعرت بالحزن المسكوب من عينيك .. دخلت عالم وحدتك .. وحاصرتني جدران سجنك .. فأقسمت أن أساعدك على الخروج إلى فضاء الحرية .. اكتبي لي فأنا في شوق لأعرف عنك أكثر .. أنتظر صباح الغد بشوق لأطالع كلماتك "
" صباحك سكر أيها الفارس النبيل .. لم أتخيل يوماً أن أتواصل مع أي إنسان منذ أن أغلق علي باب سجني .. كلماتك وصلت لأعماق وجداني .. لكنني لا أريد التحرر من هذه الجدران فقد اعتدت عليها ولا أمل لي في حياة خارجها "
" أيتها البعيدة القريبة .. لاتقتلي أحلامك .. فأنت بذلك تقتليني .. لاقيمة للحياة بدون حرية "
" أيها القريب البعيد .. من اعتاد على الظلام .. لن يرى النور "
" ياطيبة الروح .. النور أقوى من الظلام والحرية أقوى من العبودية "
" ياطيب الروح .. كيف أهرب إلى الحرية وأنا سجينة برج مرتفع محاط بالماء .. بوابته الوحيدة مقفلة .. نوافذه صغيرة .. أنت لاتعرف أن خروجي مستحيل حتى لو أردت "
" توأم روحي .. الإرادة تحطم المستحيل .. لقد زرعوا وهماً في داخلك أن البرج مرتفع وأن الماء حوله عميق وأن الأقفال لاتنكسر .. صدقيني كلها أوهام .. حاولي مرة .. مرة وسوف تصدقين كلامي "
" توأم روحي .. أصدقك من قلبي .. لكنني أخاف .. أخاف .. استوطن الخوف عقلي "
" أميرتي الحبيبة .. حطمي قيود الخوف .. ادفعي الأبواب بعزم الحرية .. اعبري الماء بإرادة الحياة .. تعالي إلى فارسك .. سيقودك إحساسك إلى حيث أنتظرك "
" فارسي الحبيب .. لم أكن قوية كما أنا اليوم .. إحساسك بي أشعل نار الثورة داخلي .. أريد أن أتنفس هواء الحرية معك .. لن أتأخر على موعدنا .. مع خيوط فجر الغد سوف نكون معاً "
لم تنم الأميرة تلك الليلة .. كانت تنتظر بزوغ شمس الحرية لتغادر جدران سجنها .. لكن شيئاً من الخوف مازال يشدها للبقاء ..
إلا أن شوقها لرؤية الفارس الذي غير حياتها انتصر على ترددها .. أسرعت نحو الباب ودفعته فانفتح بسهولة .. " ياالله كم كان بدر محقاُ فالأقفال وهم زرعوه داخلي .. وهذا الارتفاع وهم فأنا لست في برج بل إنها غرفة لاتعلو عن الأرض سوى بضع درجات " ..
قفزت الأميرة نحو البوابة الخارجية .. وجذبتها فدخل ضوء النهار الوليد ليملأ المكان .. تجاوزت البوابة واقتربت من الماء فوجدته قليل العمق بالكاد يغمر كاحليها ... " آه كم كنت حمقاء عندما سجنت نفسي ضمن جدران الخوف " ..
لم تفكر الأميرة في أي اتجاه تسير .. فقد كان هناك شي يشدها .. يجعلها تعدو صاعدة نحو ذلك الجرف الكبير ..
كان قلبها يخفق بشدة .. شعرت بالفرح يغمرها عندما لمحته من بعيد .. واقفاً تحت شجرة تمتد أغصانها نحو الساء .. وعندما أحس بقدومها أسرع نحوها .. كانت لحظة خارج الزمن .. حالة لايمكن وصفها ..
وقفا قريبين لاتفصل بينهما سوى خطوات ..
" يا أميرة القلب أنت أروع مما تخيلتك "
" يافارس القلب أنت أروع مما تخيلتك "
أخذ يديها بين يديه .. جلسا فوق صخرة تحت تلك الشجرة .. لم يشعرا بمرور الوقت .. كانا يتحدثان كأنهما التقيا آلاف المرات .. حتى بدأت الشمس تختفي وراء الأفق .. ومع حلول الظلام عاد الخوف يتسرب إلى قلب الأميرة ..
" تعالي معي .. سنسير معاً حتى نبلغ أحلامنا "
" حلمي الوحيد أن تبقى بجانبي .. ولكن ... ولكن ... "
" لاتدعي التردد يسيطر عليك من جديد "
وقفت الأميرة .. حائرة .. مشت خطوتين مبتعدة ثم اقتربت من جديد .. سارت بجواره ثم توقفت .. خطوة أخرى بعيداً عن فارسها ..
" لاتبتعدي .. الخوف ولى .. لاتسمحي له بالرجوع "
ترددت
ابتعدت أكثر
أسرع نحوها .. لايريدها أن تبقى أسيرة الماضي
لم يكن يرى حوله غيرها .. أميرته الوحيدة
لم ينتبه لخطواته .. ازلقت الحصى تحت قدميه .. حاول أن يتوازن .. مد يديه في الهواء .. أسرعت نحوه .. مدت يديها .. ولكن .. كان الأوان قد فات .. هوى الفارس فوق الجرف .. سقط نحو الماء كما طائر النورس .. نادى اسمها وهو يرتطم بالماء .. ورددت الجبال صوته .. قبل أن تبتلعه الأمواج ..

**********************************************************

أتمنى رأيكم الصريح .. بعد القراءة المتأنية .. وأعلم أن هذه المساهمة كغيرها سوف يكون مصيرها أن ينسبها أحد من الذين اعتادوا السرقة إلى نفسه وينشرها في مكان آخر .. ولكن المهم أنكم تعلمون أنني كتبتها لهذا المنتدى وبوحي من عضو أعتز بصداقته ..

شكرا جزيلا لك



اختياار موفق


في انتظاار جديدك

دمت بوووود

مشاركة رائعة وقلم جديد ينثر لنا اجمل الاطروحات

بالتوفيق لك اخي

في انتظار ابداعتك المميزة

تحياتي واحترامي لك

يسعد مسائك اخي
حتى ما عرفت اسمك كمان

اول شي شرفتنا ونورتنا

هاد بيتك التاني اخير

والكلام الي صدر منك في الاول كلام دقيق وصحيح


معضم المنتتديات هيك في الردود

انا من ناحيتي برحب فيك بينا وان شاء الله تكون سعيد بينا


وتكون اخ بينا

موضوعك حلو كتير

وقصة جميلة ايضا

بانتظار كل جديد

دمت بخير

اخي الكريم
بعد مقدمتك الجميله وعتبك الراقي
اقول انت على حق فيما وصفت ودونت
والردود هذا ما تعودو عليه اخوتنا ومنهم من جعلها جاهزه
كتوقيع مثلا ههههههههههههههههههه
عموما ما طرحته شئ راقي تسلم افكارك الراقبه والقريده
قصه ممتازه يكسوها الالم والفرح معا
دمت بخير اخي الغالي
................. اسعد زورو
حبيت اضع بصمتي

أعزائي
أشكر كل من تفضل بالرد على مساهمتي الأولى
كلماتكم دافع للمزيد
شكراً من القلب
سامر