الشهيد القسامي
مهدي حامد عقل
البسمة لا تفارق محياه و المصحف لا يفارق يده
ماذا يقول اللسان ؟! ... ماذا يخط البنان ؟! ... إن الحديث عن سير الشهداء لأمر جد عظيم ، أمر لا يستطيع أحد أن يوفّيه حقه ... فها هم شهداؤنا يخطّون سيرهم بدمائهم و نحن نخط هذه السير بمداد أقلامنا ، فشتّان شتان بين هذا و ذاك . فهم عاشوا لفكرة عظيمة حملوا لأجلها أرواحهم على أكفّهم و ساروا تحت لواء الحق و القوة و الحرية و رفع راية "لا إله إلا الله" و دافعوا ... و قدموا أنفسهم رخيصة في سبيل الله و كأني بلسان حالهم يقول :
إن السعــادة أن تعيـش لفكـرة الحق التليــد
لعقيــدة كبــرى تحـلّ قضـية الكون العتيــد
و تجيب عما يسأل الحيران في وعي صادق رشيـد
نشأة إسلامية :
على هذا الطريق و على هذا المنهاج سار شهيدنا البطل مهدي حامد عقل (أبو أسامة ) – 22 عاماً - الذي اتخذ الحياة وسيلة و طريقة إلى إرشاد الناس إلى طريق الخير و الرشاد ، فلقد كان نعم الداعية و نعم المجاهد و نعم من جعل تعاليم الإسلام واقعاً ملموساً في حياته .
ولد شهيدنا البطل في مخيم البريج الصامد مخيم الشهداء في السابع من مايو لعام 1980م لأسرة فلسطينية متدينة تعود أصولها إلى مدينة يافا في فلسطين المحتلة . ترعرع شهيدنا في ربوع المخيم و درس الابتدائية و الإعدادية في مدارس المخيم حيث أنهى المرحلة الإعدادية عام 1995م لتبدأ مرحلة العطاء في حياة شهيدنا ، ففي هذا العام التزم شهيدنا التزاماً كاملاً بالمسجد و أصبح من المحافظين الدائمين على جميع الصلوات فيه و خاصة صلاة الفجر- مصنع الأبطال .
أنهى شهيدنا المرحلة الثانوية عام 1998م و التحق في نفس العام بالصرح العلمي الشامخ الجامعة الإسلامية بغزة كلية التجارة قسم إدارة الأعمال ، و كان شهيدنا قدّم روحه فداء لدينه و لم يبقَ على تخرجه من الجامعة إلا أن يتقدم لامتحانات هذا الفصل الدراسي الحالي .
في ركب القسام :
عمل شهيدنا البطل في حركة المقاومة الإسلامية حماس في جهاز الإعلام و الأحداث في عام 1998م و كان مثال للتضحية و العطاء ، و عرف عنه الجد و الجهد في العمل ، فكان كتلة من النشاط و يحب المشاركة في كافة النشاطات الدعوية و الحركية و أن يتقدم الصفوف مما أهله لأن يلتحق بكتائب الشهيد عز الدين القسام مع بدايات انتفاضة الأقصى المباركة ، حيث شارك خلالها بعدة طلعات لضرب الهاون على مغتصبة نتساريم الواقعة شمال مخيم البريج ، كما شارك في رصد العديد من الأهداف العسكرية خاصة مع صديقه الشهيد ناهض عيسى ، و اعتقل عند جهاز المخابرات العامة في سلطة الحكم الذاتي بتهمة قيامه برصد هدف عسكري صهيوني ، و تقدم بطلب الخروج لعملية استشهادية في أكتوبر لعام 2001م .
تربى شهيدنا مهدي حامد عقل (أبو أسامة) في مسجد الصفاء مسجد الشهداء حيث تربى فيه الشهيد موسى جاسر السيد و الشهيد ناهض محمد عيسى، و كان دائما في مقدمة المشاركين في أنشطة المسجد كالرحلات و الندوات و الإفطارات الجماعية و غيرها من الأنشطة . و كان - رحمه الله - قد أشرف على تأسيس المكتبة الصوتية (الأشرطة الدعوية) في المسجد ، و كان نعم الشاب المسلم الملتزم ، فلقد شهد له الجميع بالتقوى و الصلاح و حسن الخلق و المعاشرة الطيبة و كانت البسمة لا تفارق محياه و كان لا يرى إلا المصحف أو المسبحة في يده لا تفارقه أبداً ، فهو دائماً يقرأ القرآن و يستغفر و يذكر الله تعالى .
مثال للداعية المسلم :
نشط شهيدنا في الكتلة الإسلامية و كان من أنشط أبنائها و يشهد له بذلك عطاؤه في الجامعة الإسلامية و مساعدته الدائمة لإخوانه في مجلس الطلاب في الجامعة في الأنشطة و الفعاليات داخل الجامعة و خارجها ، حيث كان دائماً يلفت الانتباه بنشاطه و مثابرته و كثر عمله و يترك البصمات الواضحة على جميع الأنشطة التي يشارك فيها شهيدنا البطل .
يضرب به المثل في حسن تعامله و سمو أخلاقه فجميع أهل بيته يشهدون له بأنه لم يكن في يوم من الأيام ليغضب أباه أو أمه و لو بكلمة ، بل كان دائماً المحبب لهما الساعي إلى إرضائهم ، و الكل يشهد له أنه من المبادرين دائماً في الأعمال سواء في المنزل أو خارجه فلا يحتاج إلا أن يبدأ الإنسان بالطلب منه حتى يخرج سريعاً ملبياً حاجة أهله و إخوانه ، كان شهيدنا يضرب به المثل في حبه لأرحامه و إخوانه و زياراته لهم ، فلم تكن لتمر فترة و لو قصيرة إلا و ذهب لزيارتهم و الاطمئنان عليهم ، فهو داعي دائماً يقدم النصيحة و الدعوة لكل الناس لم يبخل بها على أحد سواء كان ملتزما أو غير ملتزم بل كان هو بشخصه داعيا يضرب به المثل ، و لقد كان دائم الحث لإخوانه على التزام الطاعات و التقرب إلى الله بالنوافل ، فكان دائم الصيام و القيام و خاصة صيام الإثنين و الخميس و الثلاثة أيام الوسط من كل شهر ، و كان من أكثر المحافظين على قيام اليل، و لقد كان شهيدنا صائما في اليوم الذي نفذ فيه عمليته البطولية حتى قد أفطر و هو في الطريق إليها .
الأسبوع الأخير :
عاش شهيدنا البطل أسبوعه الأخير بشفافية تامة و تعلّق تام بالآخرة و ترك للدنيا بشكل أكثر بكثير من أي وقت مضى ، وكان دائم الحث لإخوانه على طلب الشهادة و ترك الدنيا و العمل للآخرة و السعي لمرضاة الله و رضوانه .
استشهد المجاهد مهدي حامد عقل أبا أسامة خلال تنفيذه عملية استشهادية على طريق مغتصبة كسوفيم و ذلك مساء يوم الإثنين 11/6/2002م حيث أطلق النار على موكب لسيارات المستوطنين مما أوقع العديد من القتلى و الجرحى .
شهيدنا البطل مهدي حامد عقل (أبا أسامة) كان مثالا للشاب المسلم الذي صدق الله فصدقه الله ، لقد كان دائماً من الساعين إلى الشهادة و العاملين على نيلها فأعطاه الله ما تمنى و نال شرف الشهادة العظيم بإذن الله .
و كأني بك يا أبا أسامة تجيبهم حين يقولون :
قالوا : السعادة في السكون و في الخمول و في الخمـود
في العيش بين الأهـــل لا عيش المهاجر و الطريـد
في المشي خلف الركب في دعـة و في خطـو وئيــد
في أن تقـول كما يقــال فــلا اعتـراض و لا ردود
كأني بك تجيبهم :
قلت : الحياة هي التحــرك لا السكون و لا الهمود
وهي الجهاد ، و هل يجاهـد من تعلق بالقعــود؟
وهي التلـذذ بالمتاعـــب لا التلذذ بالرقـــود
هي أن تـذود عن الحيـاض وأي حـر لا يــذود؟
فهنيئاً لك الشهادة يا أبا أسامة ، هنيئاً لك الفوز بالفردوس الأعلى إن شاء الله و سلام عليك في الخالدين .